التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤٠
-فصلت

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءايَـٰتِنَا } ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة، وهو مراد ابن عباس بقوله: يضعون الكلام في غير موضعه، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد. وقرىء { يلحدون } و{ يلحدون } باللغتين، وقال قتادة هنا: الإلحاد التكذيب، وقال مجاهد: المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراءته، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع. وعن أبـي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والإعراض عنها، وهذا أوفق بقوله تعالى: / { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [فصلت: 37] { { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَـٰشِعَةً } [فصلت: 39] الخ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه: { { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26] وبما بعد، والآية على تفسير مجاهد أوفق وأوفق.

والمراد بقوله تعالى: { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد، وقوله تعالى: { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي ءامِناً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } تنبيه على كيفية الجزاء، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمناً، وجوز أن تكون الآية من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفاً ويلقى في النار ومن يأتي آمناً ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد. والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } أبو جهل { أَم مَّن يَأْتِي ءامِناً } أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأخرج عبد الرزاق وغيره عن بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمناً عمار. والآية نزلت فيهما، وقال مقاتل: نزلت في أبـي جهل وعثمان بن عفان، وقيل: فيه وفي عمر، وقيل: فيه وفي حمزة، وقال الكلبـي: فيه وفي الرسول صلى الله عليه وسلم.

{ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازيكم بحسب أعمالكم.