التفاسير

< >
عرض

تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٢٢
-الشورى

روح المعاني

{ تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } جملة مستأنفة لبيان ما قبل. والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أي ترى يا من يصح / منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة { مُشْفِقِينَ } خائفين الخوف الشديد { مِمَّا كَسَبُواْ } في الدنيا من السيآت، والكلام قيل على تقدير مضاف. و { مِنْ } صلة الإشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا { وَهُوَ } أي الوبال { وَاقِعٌ بِهِمْ } أي حاصل لهم لاحق بهم، واختار بعضهم أن لا تقدير و(من) تعليلية لأنه أدخل في الوعيد، والجملة اعتراض للإشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم، وإيثار { وَاقِعٍ } على يقع مع أن المعنى على الاستقبال لأن الخوف إنما يكون من المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لا بد منه، وجوز أن تكون حالاً من ضمير { مُشْفِقِينَ } وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة.

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ فِي رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ } أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها، وقال الراغب: هي محاسنها وملاذها. وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واوها جمعاً التسكين كما في المنزل ولغة هذيل بن مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقرأ أحد فيما علمنا بلغتهم.

{ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق بمتعلق الجار والمجرور الواقع خبراً لما أوبه واختاره جار الله ونفى أن يكون متعلقاً بيشاؤن مع أنه الظاهر نحواً، وبين صاحب «الكشف» ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد منها بقوله تعالى: { فِي رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ } لأن روضة الجنة أنزه موضع منها لا سيما والإضافة في هذا المقام تنبىء عن تميزها بالشرف والطيب، والتعقيب بقوله تعالى: { لَهُمْ مَّا يَشَآءونَ } أيضاً ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولا خفاء أنك إذا قلت: لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت: لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه. أما الأول: فلأنه يفيد ان جميع ما تشاؤه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد ان ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤه، وأما الثاني: فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات، وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول: لي عندك وقبلك كذا، فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت مقضي في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني، ثم قال: ولعل الأوجه أن يجعل { عِندَ رَبّهِمْ } خبراً آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤن، وإنما أخر توخياً لسلوك طريق المبالغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضاً فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه؛ وملاك ذلك كله أن يختصه رب المنزل بالقرب والكرامة، وأن جعله حالاً من فاعل { يَشَآءونَ } أو من المجرور في { لَهُمْ } أفاد هذا المعنى أيضاً لكنه يقصر عما آثرناه لأنه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة، ولعمري إن ما آثره حسن معنى إلا أنه أبعد لفظاً مما آثره جار الله، ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل. وفي الخبر عن أبـي ظبية قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ماأمطركم؟ فما يدعو داع من القوم إلا أمطرته حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أتراباً.

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.