التفاسير

< >
عرض

وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
٣٥
-الزخرف

روح المعاني

{ وَزُخْرُفاً } قال الحسن: أي نقوشاً وتزاويق، وقال ابن زيد: الزخرف أثاث البيت وتجملاته وهو عليهما عطف على { سَقْفاً } [الزخرف: 33]، وقال ابن عباس وقتادة والشعبـي والسدي والحسن أيضاً في رواية الزخرف الذهب، وأكثر اللغويين ذكروا له معنيين هذا والزينة فقيل الظاهر أنه حقيقة فيهما، وقيل: إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضاً، ويشير إليه كلام الراغب قال: الزخرف الزينة المزوقة ومنه قيل للذهب زخرف، وفي «البحر» جاء في الحديث "إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان" ، وقال ابن عطية: الحسن أحمر والشهوات تتبعه؛ ولبعض شعراء المغرب:

وصبغت درعك من دماء كماتهم لما رأيت الحسن يلبس أحمرا

وهو على هذا عطف على محل { { مِن فِضَّةٍ } [الزخرف: 33] كأن الأصل سقفاً من فضة وزخرف يعني بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على المحل، وجوز عطفه على { سَقْفاً } [الزخرف: 33] أيضاً.

{ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي وما كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بالصفات المفصلة إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا وفي معناه ما قرىء { وَمَا كُلُّ ذٰلِكَ إلا مَتاعُ ٱلدُّنْيَا } وقرأ الجمهور { لما } بفتح اللام والتخفيف على أن { إن } هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بين المخففة وغيرها وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع كما في قوله تعالى: { { تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِي أَحْسَنَ } [الأنعام: 154] في قراءة من رفع النون، وقرأ أبو رجاء وفي «التحرير» أبو حيوة { لما } بكسر اللام والتخفيف على أن { إن } هي المخففة واللام حرف جر وما موصولة في محل جر بها والجار والمجرور في موضع الخبر لكل وصدر الصلة محذوف كما سمعت آنفاً. وحق التركيب في مثله الاتيان باللام الفارقة فيقال: للمامتاع لكنها حذفت لظهور إرادة الاثبات كما في قوله:

أنا ابن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن

بل لا يجوز في البيت إدخال اللام كما لا يخفى على النحوي.

{ وَٱلأَخِرَةِ } أي بما فيها من فنون النعيم التي لا يحيط بها نطاق البيان { عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ } خاصة لهم، والمراد بهم من اتقى الشرك، وقال غير واحد: من اتقى ذلك والمعاصي.

وفي الآية من الدلالة على التزهيد في الدنيا وزينتها والتحريض على التقوى ما فيها، وقد أخرج الترمذي وصححه وابن ماجه عن سهل بن سعد قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء" وعن علي كرم الله تعالى وجهه الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد مجذوم.

هذا واستدل بعضهم بقوله تعالى: { { لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً } [الزخرف: 33] على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو لأنه منسوب إلى البيت.