التفاسير

< >
عرض

فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ
٥٩
-الدخان

روح المعاني

{ فَٱرْتَقِبْ } أي وإن لم يتذكروا فانتظر ما يحل بهم وهو تعميم بعد تخصيص بقوله تعالى: { { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَاء } [الدخان: 10] { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } منتظرون ما يحل بك كما قالوا: { { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [الطور: 30] وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكماً، وقيل: هو مشاكلة، والمعنى إنهم صائرون للعذاب. وفي الآية من الوعد له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. وقيل: فيها الأمر بالمتاركة وهو منسوخ بآية السيف فلا تغفل.

ومن باب الإشارة في الآيات ما ذكروه في قوله تعالى: { { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } [الدخان: 17] إلى آخر القصة من تطبيق ذلك على ما في الأنفس، وهو مما يعلم ما ذكرناه في باب الإشارة من هذا الكتاب غير مرة فلا نطيل به. وقالوا في قوله تعالى: { { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَـٰهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } [الدخان: 38-39] إنه إشارة إلى الوحدة كقوله عز وجل: { { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِي ٱلأَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53] وأفصح بعضهم فقال: الحق هو عز وجل والباء للسببية أي ما خلقناهما إلا بسبب أن تكون مرايا لظهور الحق جل وعلا، ومن جعل منهم الباء للملابسة أنشد:

رق الزجاج وراقت الخمر فتشاكلا وتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر

والعبارة ضيقة والأمر طور ما وراء العقل والسكوت أسلم. وقالوا في شجرة الزقوم: هي شجرة الحرص وحب الدنيا تظهر يوم القيامة على أسوأ حال وأخبث طعم. وقالوا: { { ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } [الدخان: 56] ما كان في الدنيا بقتل النفس بسيف الصدق في الجهاد الأكبر وهو المشار إليه «بموتوا قبل أن تموتوا» فمن مات ذلك الموت حيـي أبداً الحياة الطيبة التي لا يمازجها شيء من ماء الألم الجسماني والروحاني وذلك هو الفوز العظيم، والله تعالى يقول الحق وهو سبحانه يهدي السبيل.