التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٢١
-الأحقاف

روح المعاني

{ وَٱذْكُرْ } لكفار مكة { أَخَا عَادٍ } هوداً عليه السلام { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدل اشتمال منه أي وقت إنذاره إياهم { بِٱلأحْقَافِ } جمع حقف رمل مستطيل فيه اعوجاج وانحناء ويقال احقوقف الشيء اعوج وكانوا بدويين أصحاب خباء وعمد يسكنون بين رمال مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر من بلاد اليمن قاله ابن زيد، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بين عمان ومهرة، وفي رواية أخرى عنه الأحقاف جبل بالشام، وقال ابن إسحاق: مساكنهم من عمان إلى حضرموت؛ وقال ابن عطية الصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت ارم ذات العماد وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في إرم وبيان الحق فيها.

{ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ } أي الرسل كما هو المشهور، وقيل من يعمهم والنواب عنهم جمع نذير بمعنى منذر. وجوز كون { ٱلنُّذُرُ } جمع نذير بمعنى الإنذار فيكون مصدراً وجمع لأنه يختلف باختلاف المنذر به. وتعقب بأن جمعه على خلاف القياس ولا حاجة تدعو إليه { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي من قبله عليه السلام { وَمِنْ خَلْفِهِ } أي من بعده وقرىء به ولولا ذلك لجاز العكس، والظاهر أن المراد النذر المتقدمون عليه والمتأخرون عنه. وعن ابن عباس يعني الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه، فمعنى { مِنْ خَلْفِهِ } من بعد إنذاره، وعطف { مِنْ خَلْفِهِ } أي من بعده على ما قبله إما من باب:

علفتها تبناً وماءً بارداً

وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر أي وسقيتها ماء، ويقال في الآية أي خلت النذر من بين يديه وتأتي من خلفه؛ وقيل إنه مشاكلة، وقيل: إنه من قبيل الاستعارة بالكناية، وإما لإدخال الآتي في سلك الماضي قطعاً بالوقوع وفيه شائبة الجمع بين الحقيقة والمجاز، وجوز أن / يقال: المضي باعتبار الثبوت في علم الله تعالى أي وقد خلت النذر في علم الله تعالى يعني ثبت في علمه سبحانه خلو الماضين منهم والآتين.

والجملة إما حال من فاعل { أَنْذَرَ } أي إذ أنذر معلماً إياهم بخلو النذر أو مفعوله أي وهم عالمون بإعلامه إياهم، وهو قريب من أسلوب قوله تعالى: { { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا } [البقرة: 28] الآية، ويجوز أن يكون المعنى أنذرهم على فترة من الرسل، وهي حال أيضاً على تفسير ابن عباس. وعلم القوم يجوز أن يكون من إعلامه ومن مشاهدتهم أحوال من كانوا في زمانه وسماعهم أحوال من قبله، وإما اعتراض بين المفسر أعني { أَنْذِر قَوْمِهِ } وبين المفسر أعني قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } فإن النهي عن الشيء إنذار عن مضرته كأنه قيل: واذكر زمان إنذار هود قومه بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا إلا الله تنبيهاً على أنه إنذار ثابت قديماً وحديثاً اتفقت عليه الرسل عليهم السلام عن آخرهم فهو يؤكد قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ } ويؤكد قوله سبحانه: { أَنذَرَ قَوْمَهُ } ولذلك توسط، وهو أيضاً مقصود بالذكر بخلاف ما إذا جعل حالاً فإنه حينئذ قيد تابع، وهذا الوجه أولى مما قبله على ما قرره في «الكشف». وجوز بعضهم العطف على { أُنذِرَ } أي وأعلمهم بذلك وهو كما ترى. وجعلت { أَن } مفسرة لتقدم معنى القول دون حروفه وهو الإنذار والمفسر معموله المقدر، وجوز كونها مصدرية وكونها مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر أي أنذرهم بأن لا تعبدوا إلا الله.

{ إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } صفة { يَوْمٍ } وعِظَمُه مجاز عن كونه مَهُولاً لأنه لازم له، وكون اليوم مهولاً باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازي، ولا حاجة إلى جعله صفة للعذاب والجر للجوار والجملة استئناف تعليل للنهي، ويفهم إني أخاف عليكم ذلك بسبب شرككم.