التفاسير

< >
عرض

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
-الحجرات

روح المعاني

{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي ما غاب فيهما { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه سبحانه ما في ضمائركم، وذلك ليدل على كذبهم وعلى اطلاعه عز وجل خواص عباده من النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه رضي الله تعالى عنهم. وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم { يعملون } بياء الغيبة والله تعالى أعلم.

ومن باب الإشارة في بعض الآيات: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [الحجرات: 1] الخ إشارة إلى لزوم العمل بالشرع ورعاية الأدب وترك مقتضيات الطبع، وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ } يشير إلى أنه إن سولت النفس الأمارة بالسوء وجاءت بنبأ شهوة من شهوات الدنيا ينبغي التثبت للوقوف على ربحها وخسرانها { أَنْ تُصِبُوا قَوْماً } من القلوب وصفاتها { بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ } صباح يوم القيامة { { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ } [الحجرات: 6] فإن ما فيه شفاء النفوس وحياتها فيه مرض القلوب ومماتها { { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } [الحجرات: 7] الخ يشير إلى رسول الإلهام الرباني في الأنفس بلهم فجورها وتقواها، ويشير قوله تعالى: { { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الحجرات: 9] إلى أن النفس إذا ظلمت القلب باستيلاء شهواتها يجب أن تقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة فإن استجابت بالطاعة عفى عنها لأنها هي المطية إلى باب الله عز وجل: { { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [الحجرات: 10] إشارة إلى رعاية حق الأخوة الدينية ومنشأ نطفها صلب النبوة وحقيقتها نور الله تعالى فإصلاح ذات بينهم برفع حجب أستار البشرية عن وجوه القلوب ليتصل النور بالنور من روزنة القلب فيصيروا كنفس واحدة { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ } [الحجرات: 11] يشير إلى ترك الإعجاب بالنفس والنظر إلى أحد بعين الاحتقار فإن الظاهر لا يعبأ به والباطن لا يطلع عليه فرب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره { { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءامَنَّا } [الحجرات: 14] إلى آخره فيه إشارة إلى أنه ينبغي ترك رؤية الأعمال والعلم بأن المنة في الهداية لله الملك المتعال، وفيه إرشاد إلى كيفية مخاطبة الجاهلين والرد على المحجوبين كما سلفت الإشارة إليه. هذا ونسأل الله تعالى التوفيق لما يرضاه يوم العرض عليه.