التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤٠
-المائدة

روح المعاني

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } الخطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد يصلح له، واتصاله بما قبله على ما قاله الطبرسي: «اتصال الحجاج والبيان عن صحة ما تقدم من الوعد والوعيد». وقال شيخ الإسلام: المراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى ـ على ما سيأتي ـ من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه أي ألم تعلم أن الله تعالى له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي فيهما وفيما اشتملا عليه إيجاداً وإعداماً إحياءاً وإماتة إلى غير ذلك حسبما تقتضيه مشيئته، والجار والمجرور خبر مقدم، و { مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } مبتدأ، والجملة خبر { إِنَّ } وهي مع ما في حيزها سادّ مسدّ مفعولي { تَعْلَمْ } عند الجمهور؛ وتكرير الإسناد لتقوية الحكم.

وقوله تعالى: { يُعَذّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } إما تقرير لكون ملكوت السماوات والأرض له سبحانه، وإما خبر آخر ـ لأن ـ وكان الظاهر لحديث "سبقت رحمتي غضبـي" تقديم المغفرة على التعذيب، وإنما عكس هنا لأن التعذيب للمصر على السرقة، والمغفرة للتائب منها، وقد قدمت السرقة في الآية أولاً ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق، أو لأن المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله تعالى، والأول: في الدنيا، والثاني: في الآخرة، فجيء به على ترتيب الوجود، أو لأن المقام مقام الوعيد، أو لأن المقصود وصفه تعالى بالقدرة، والقدرة في تعذيب من يشاء أظهر من القدرة في مغفرته لأنه لا إباء في المغفرة من المغفور، وفي التعذيب إباء بين { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيقدر على ما ذكر من التعذيب والمغفرة، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها، ووجه الإظهار كالنهار.