التفاسير

< >
عرض

وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
٨٨
-المائدة

روح المعاني

{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيّباً } أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله تعالى فحلالاً مفعول به لكلوا و { مِمَّا رَزَقَكُمُ } إما حال منه وقد كان في الأصل صفة له إلا أن صفة النكرة إذا قدمت صارت حالاً أو متعلق بكلوا و(من) ابتدائية. ويحتمل أن يكون في موضع المفعول لكلوا على معنى أنه صفة مفعول له قائمة مقامه أي شيئاً مما رزقكم أو بجعله نفسه مفعولاً بتأويل بعض إلا أن في هذا تكلفاً. و { حَلَـٰلاً } حال من الموصول أو من عائده المحذوف أو صفة لمصدر محذوف أي أكلاً حلالاً. وعلى الوجوه كلها الآية دليل لنا في شمول الرزق للحلال والحرام إذ لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة سوى التأكيد وهو خلاف الظاهر في مثل ذلك.

{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } استدعاء إلى التقوى وامتثال الوصية بوجه حسن. والآية ظاهرة في أن أكل اللذائذ لا ينافي التقوى، وقد أكل صلى الله عليه وسلم ثريد اللحم ومدحه وكان يحب الحلوى. وقد فصلت الأخبار ما كان يأكله عليه الصلاة والسلام وأواني الكتب ملأى من ذلك. وروي أن الحسن كان يأكل الفالوذج فدخل عليه فرقد السبخي فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله ولا أحب أكله فأقبل الحسن على غيره كالمتعجب وقال: لعاب النحل بلباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم، وذكر الطبرسي أن فيها دلالة على النهي عن الترهب وترك النكاح وقد جاء في غير ما خبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى لم يبعثني بالرهبانية" وقال عليه الصلاة والسلام في خبر طويل: "شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم" وعن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالباءة وينهانا عن التبتل نهياً شديداً" . وعن أبـي نجيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان موسراً لأن ينكح فلم ينكح فليس مني" إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.