التفاسير

< >
عرض

قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ
١

روح المعاني

ذي المجد والشرف من باب النسب كلابن وتامر وإلا فالمعروف وصف الذات الشريفة به، وصنيع بعضهم ظاهر في اختيار هذا الوجه، وأورد عليه أن ذلك غير معروف في فعيل كما قاله ابن هشام في { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [الأعراف: 56] وأنت تعلم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وشرفه على هذا بالنسبة لسائر الكتب، أما غير الإلهية فظاهر، وأما الإلهية فلإعجازه وكونه غير منسوخ بغيره واشتماله مع إيجازه على أسرار يضيق عنها كل واحد منها. وقال الراغب: المجد السعة في الكرم وأصله مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع، ووصف القرآن به لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية، ويجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كلام المجيد فهو وصف بصفة قائله، فالإسناد مجازي كما في القرآن الحكيم أو لأن من علم معانيه وعمل بما فيه مجد عند الله تعالى وعند الناس، فالكلام بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه، أو فعيل فيه بمعنى مفعل كبديع بمعنى مبدع لكن في مجىء فعيل وصفاً من الإفعال كلام، وأكثر أهل اللغة والعربية لم يثبته، وأكثر ما تقدم في قوله تعالى: { { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1] يجري هٰهنا حتى إنه قيل: يجوز أن يكون { قۤ } أمراً من مفاعلة قفا أثره أي تبعه، والمعنى اتبع القرآن واعمل بما فيه، ولم يسمع مأثوراً، ومثله ما قيل: إنه أمر بمعنى قف أي قف عندما شرع لك ولا تجاوزه.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها ومن وراء ذلك جبلاً يقال له قاف، السماء الدنيا مترفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له قاف، السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل ثم قال: وذلك قوله تعالى: { { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [لقمان: 27] وأخرج ابن أبي الدنيا في «العقوبات» وأبو الشيخ عنه أيضاً أنه قال: خلق الله تعالى جبلاً يقال له قاف محيطاً بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها فمن ثم تحرك القرية دون القرية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في «العظمة» والحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن بريدة أنه قال في الآية: قاف جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء. وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه أيضاً قال: هو جبل محيط بالأرض.

وذهب القرافي إلى أن جبل قاف لا وجود له وبرهن عليه بما برهن ثم قال: ولا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه. وتعقبه ابن حجر الهيتمي فقال: يرد ذلك ما جاء عن ابن عباس من طرق خرجها الحفاظ وجماعة منهم ممن التزموا تخريج الصحيح، وقول الصحابـي ذلك ونحوه مما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبـي صلى الله عليه وسلم أن وراء أرضنا بحراً محيطاً ثم جبلاً يقال له قاف إلى آخر ما تقدم، ثم قال: وكما يندفع بذلك قوله: لا وجود له يندفع قوله: ولا يجوز اعتقاد الخ لأنه إن أراد بالدليل مطلق الأمارة فهذه عليه أدلة أو الأمارة القطعية فهذا مما يكفي فيه الظن كما هو جلي انتهى.

والذي أذهب / إليه ما ذهب إليه القرافي من أنه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحس فقد قطعوا هذه الأرض برها وبحرها على مدار السرطان مرات فلم يشاهدوا ذلك، والطعن في صحة هذه الأخبار - وإن كان جماعة من رواتها ممن التزم تخريج الصحيح - أهون من تكذيب الحس، وليس ذلك من باب نفي الوجود لعدم الوجدان كما لا يخفى على ذوي العرفان، وأمر الزلزلة لا يتوقف على ذلك الجبل بل هي من الأبخرة وطلبها الخروج مع صلابة الأرض، وإنكار ذلك مكابرة عند من له أدنى عرق من الإنصاف والله تعالى أعلم.

واختلف في جواب القسم فقيل: محذوف يشعر به الكلام كأنه قيل: والقرآن المجيد إنا أنزلناه لتنذر به الناس، وقدره أبو حيان إنك جئتهم منذراً بالبعث ونحو ما قيل: هو إنك لمنذر؛ وقيل: ما ردوا أمرك بحجة. وقال الأخفش والمبرد والزجاج: تقديره لتبعثن. وقيل: هو مذكور، فعن الأخفش { { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ } [ق: 4] وحذفت اللام لطول الكلام، وعنه أيضاً وعن ابن كيسان { { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } [ق: 18] وقيل: { { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } [ق: 37] وهو اختيار محمد بن علي الترمذي، وقيل: { { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } [ق: 29] وعن نحاة الكوفة هو قوله تعالى: { بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ... }.