التفاسير

< >
عرض

أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
١٥

روح المعاني

{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } استئناف مقرر لصحة البعث الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة. والعي بالأمر العجز عنه لا التعب، وقال الكسائي: تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر، وهذا هو المعروف والأفصح وإن لم يفرق بينهما كثير. والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر ينبىء عنه العي من القصد والمباشرة كأنه قيل: أقصدنا الخلق الأول وهو الإبداء فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة. وجوز الإمام أن يكون المراد بالخلق الأول خلق السماء والأرض ويدل عليه قوله سبحانه: { { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } [الأحقاف: 33] ويؤيده قوله تعالى بعد: { { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } [قۤ: 16] الخ وهو كما ترى. وعن الحسن الخلق / الأول آدم عليه السلام وليس بالحسن.

وقرأ ابن أبـي عبلة. والوليد بن مسلم والقورصي عن أبـي جعفر والسمسار عن شيبة وأبو بحر عن نافع { أفعينا } بتشديد الياء وخرجت على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي فقال: عي في عيي وحي في حيي فلما أدغم ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه ولم يفك الإدغام فقال: عينا وهي لغة لبعض بكر بن وائل في رددت ورددنا ردت وردنا فلا يكفون، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشددة مفتوحة ولو كانت { نا } ضمير نصب فالعرب جميعهم على الإدغام نحو ردنا زيد.

{ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } عطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل: إنهم معترفون بالأول غير منكرين قدرتنا عليه فلا وجه لإنكارهم الثاني بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف. وإنما نكر الخلق ووصف بجديد ولم يقل: من الخلق الثاني تنبيهاً على مكان شبهتهم واستبعادهم العادي بقوله سبحانه: { جَدِيدٍ } وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ أي نبأ، والتعظيم ليس راجعاً إلى الخلق من حيث هو هو حتى يقال: إنه أهون من الخلق الأول بل إلى ما يتعلق بشأن المكلف وما يلاقيه بعده وهو هو وقال بعض المحققين: نكر لأنه لاستعباده عندهم كان أمراً عظيماً، وجوز أن يكون التنكير للإبهام إشارة إلى أنه خلق على وجه لا يعرفه الناس.

وأورد الشيخ الأكبر قدس سره هذه الآية في معرض الاستدلال على تجدد الجواهر كالتجدد الذي يقوله الأشعري في الأعراض فكل منهما عند الشيخ لا يبقى زمانين، ويفهم من كلامه قدس سره أن ذلك مبني على القول بالوحدة وأنه سبحانه كل يوم هو في شأن، ولعمري إن الآية بمعزل عما يقول.