التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
-الذاريات

روح المعاني

أي الرياح التي تذرو التراب وغيره من ذرا المعتل بمعنى فرق وبدد ما رفعه عن مكانه.

{ فَٱلْحَـٰمِلَـٰتِ وِقْراً } أي حملاً وهي السحب الحاملة للمطر.

{ فَٱلْجَـٰرِيَـٰتِ يُسْراً } أي جرياً سهلاً إلى حيث سيرت وهي السفن.

{ فَٱلْمُقَسّمَـٰتِ أَمْراً } هي الملائكة الذين يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به.

وتفسير كل بما فسر به قد صح روايته من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه، وفي بعض الروايات أن ابن الكواء سأله عن ذلك وهو رضي الله تعالى عنه يخطب على المنبر فأجاب بما ذكر، وفي بعض الأخبار ما يدل على أنه تفسير مأثور عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

أخرج البزار والدارقطني في «الأفراد» وابن مردويه وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: «جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: أخبرني عن { وَٱلذرِيَـٰتِ ذَرْواً } قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن { ٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } قال: هي السحاب ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن { ٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } قال: هي السفن ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن { ٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } قال: هي الملائكة ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقوله ما قلته ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى وحمله على قتب وكتب إلى أبـي موسى الأشعري امنع الناس من مجالسته فلم يزالوا كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئاً فكتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه ما إخاله إلا قد صدق فخلى بينه وبين مجالسة الناس». ويدل هذا أن الرجل لم يكن سليم القلب وأن سؤاله لم يكن طلباً للعلم وإلا لم يصنع به عمر رضي الله تعالى عنه ما صنع.

وفي رواية عن ابن عباس أن الحاملات هي السفن الموقرة بالناس وأمتعتهم، وقيل: هي الحوامل من جميع الحيوانات، وقيل: الجاريات السحب تجري وتسير إلى حيث شاء الله عز وجل، وقيل: هي الكواكب / التي تجري في منازلها وكلها لها حركة وإن اختلفت سرعةً وبطأً كما بين في موضعه، وقيل: هي الكواكب السبعة الشهيرة وتسمى السيارة.

وقيل: { ٱلذَّارِيَاتِ } النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد كأنه شَبَّه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح، وباقي المتعاطفات على ما سمعت أولاً، وقيل: { ٱلذَّارِيَاتِ } هي الأسباب التي تذري الخلائق على تشبيه الأسباب المعدة للبروز من العدم بالرياح المفرقة للحبوب ونحوها، وقيل: الحاملات الرياح الحاملة للسحاب، وقيل: هي الأسباب الحاملة لمسبباتها مجازاً، وقيل: الجاريات الرياح تجري في مهابها، وقيل: المقسمات السحب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد.

وقيل: هي الكواكب السبعة السيارة وقول باطل لا يقول به إلا من زعم أنها مدبرة لعالم الكون والفساد، وفي «صحيح البخاري» عن قتادة "خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأوّل فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم" وزاد رزين "وما لا علم له به وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة" وعن الربيع مثله وزاد "والله ما جعل الله تعالى في نجم حياة أحد ولا رزقه ولا موته وإنما يفترون على الله تعالى الكذب ويتعللون بالنجوم" ذكره صاحب «جامع الأصول»، وقد مر الكلام في إبطال ما قاله المنجمون مفصلاً فتذكر، ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى شيء من ذلك.

وجوز أن يراد بالجميع الرياح فإنها كما تذر وما تذروه تثير السحاب وتحمله، وتجري في الجوّ جرياً سهلاً وتقسم الأمطار بتصريف السحاب في الأقطار، والمعول عليه ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه سامعاً له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه على المنبر، وإليه كما نقل عن الزجاج ذهب جميع المفسرين أي المعتبرين، وقول الإمام بعد نقله له عن الأمير: الأقرب أن تحمل هذه الصفات الأربع على الرياح جسارة عظيمة على ما لا يسلم له، وجهل منه بما رواه ابن المسيب من الخبر الدال على أن ذلك تفسير النبـي صلى الله عليه وسلم فأين منه الإمام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وقول صاحب «الكشف»: إنه شديد الطباق للمقام ولذا آثره الإمام لا أسلمه له أيضاً إذا صح الحديث

ثم إذا حملت هذه الصفات على أمور مختلفة متغايرة بالذات كما في المعول عليه فالفاء للترتيب في الأقسام ذكراً ورتبة باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على كمال قدرته عز وجل، وهذا التفاوت إما على الترقي أو التنزل لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه وأدنى من آخر إذا نظر لها ذو نظر صحيح، وقيل: الترتيب بالنظر إلى الأقرب فالأقرب منا، وإن حملت على واحد وهو الرياح فهي لترتيب الأفعال والصفات إذ الريح تذر الأبخرة إلى الجو أولاً حتى تنعقد سحاباً فتحمله ثانياً وتجري به ثالثاً ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله تعالى ثم تقسم أمطاره، وقيل: إذا حملت الذاريات والحاملات على النساء، فالظاهر أنها للتفاوت في الدلالة على كمال القدرة فتدبر.

ونصب { ذَرْواً } على أنه مفعول مطلق، و{ وِقْراً } على أنه مفعول به، وجوز الإمام أن يكون من باب ضربته سوطاً، و { يُسْراً } على أنه صفة مصدر محذوف بتقدير مضاف أي جرياً ذا يسر، أو على أنه حال أي ميسرة كما نقل عن سيبويه، و { أمْراً } على أنه مفعول به وهو واحد الأمور، وقد أريد به الجمع ولم يعبر به لأن الفرد أنسب برؤوس الآي مع ظهور الأمر، وقيل: على أنه حال أي مأمورة، والمفعول به محذوف أو الوصف منزل منزلة اللازم أي تفعل التقسيم مأمورة.

وقرأ أبو عمرو وحمزة { وَٱلذٰرِيَـٰتِ ذَرْواً } بإدغام التاء في الذال، وقرىء { وَقْراً } بفتح الواو على أنه مصدر وقره إذا حمله كما أفاده كلام الزمخشري وناهيك / به إماماً في اللغة، وعلى هذا هو منصوب على أنه مفعول به أيضاً على تسمية المحمول بالمصدر أو على أنه مفعول مطلق ـ لحاملات ـ من معناها كأنه قيل: فالحاملات حملاً. وقوله تعالى شأنه: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَـٰدِقٌ }