التفاسير

< >
عرض

فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
٢٣
-الذاريات

روح المعاني

{ فَوَرَبّ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } على أن ضمير { إِنّهُ } لما وعلى ما تقدم، فإما له أو للرزق، أو لله تعالى، أو للنبـي صلى الله عليه وسلم، أو للقرآن، أو للدين في { { إِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات: 6] أو لليوم المذكور في { { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدّينِ } [الذاريات: 12] أو لجميع المذكور أما ما أقوال، واستظهر أبو حيان الأخير منها وهو مروي عن ابن جريج أي إن جميع ما ذكرناه من أول السورة إلى هنا لحق { مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في حقية ذلك وهذا كقول الناس: إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع. ونصب { مَثَلَ } على الحالية من المستكن في { لَحَقُّ } وهو لا يتعرف بالإضافة لتوغله في التنكير، أو على الوصف لمصدر محذوف أي إنه لحق حقاً مثل نطقكم، وقيل: إنه مبني على الفتح فقال المازني: لتركبه مع { مَا } حتى صارا شيئاً واحداً نحو ـ ويحما ـ وأنشدوا لبناء الاسم معها قول الشاعر:

أثور ما أصيدكم أم ثورين أم هذه الجماء ذات القرنين

وقال غيره: لإضافته إلى غير متمكن وهو { مَا } إن كانت نكرة موصوفة بمعنى شيء، أو موصولة بمعنى الذي و { أنَّكُمْ } الخ خبر مبتدأ محذوف أي هو أنكم الخ، والجملة صفة، أو صلة، أو هو أن بما في حيزها إن جعلت { مَا } زائدة، وهو نص الخليل ومحله على البناء للرفع على أنه صفة { لَحَقُّ } أو خبر ثان ويؤيده قراءة حمزة والكسائي وأبـي بكر والحسن وابن أبـي إسحاق والأعمش بخلاف عن ثلاثتهم { مثل } بالرفع، وفي «البحر» ((أن الكوفيين يجعلون ـ مثلاً ـ ظرفاً فينصبونه على الظرفية ويجيزون زيد مثلك بالنصب، وعليه يجوز أن يكون في قراءة الجمهور منصوباً على الظرفية واستدلالهم، والرد عليهم مذكور في النحو)).

وفي الآية من تأكيد حقية المذكور ما لا يخفى، وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن الحسن أنه قال فيها: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله قوماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا" وعن الأصمعي أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابـي على قعود فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع قال: من أين أقبلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن قال: اتل علي فتلوت { { وَٱلذرِيَـٰتِ } [الذاريات: 1] فلما بلغت { { وَفِى ٱلسَّمَاء رِزْقُكُمْ } [الذاريات: 22] قال: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بـي بصوت رقيق فالتفت فإذا بالأعرابـي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت { فَوَرَبّ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين قالها / ثلاثاً وخرجت معها نفسه.