التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ
٥٨
-الذاريات

روح المعاني

{ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق لا غيره سبحانه، استقلالاً أو اشتراكاً، ويفهم من ذلك استغناؤه عز وجل عن الرزق { ذُو ٱلْقُوَّةِ } أَي القدرة { ٱلْمَتِينُ } شديد القوة. والجملة تعليل لعدم الإرادة قال الإمام: كونه تعالى هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق لأن من يطلبه يكون فقيراً محتاجاً؛ وكونه عز وجل هو ذو القوة المتين ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله سبحانه: { { وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57] لأن من يطلبه يكون عاجزاً لا قوة له فكأنه قيل: ما أريد منهم من رزق لأني أنا الرزاق وما أريد منهم من عمل لأني قوي متين، وكان الظاهر (إني أنا الرزاق) كما جاء في قراءة له صلى الله عليه وسلم لكن التفت إلى الغيبة.

والتعبير بالاسم الجليل لاشتهاره بمعنى المعبودية فيكون في ذلك إشعار بعلة الحكم ولتخرج الآية مخرج المثل كما قيل ذلك في قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء: 81] والتعبير به على القول بتقدير قل فيما تقدم هو الظاهر، وتحتاج القراءة الأخرى إلى ما ذكرناه آنفاً. وآثر سبحانه ذو القوة على القوي قيل: لأن في { ذُو } كما قال ابن حجر الهيتمي وغيره تعظيم ما أضيفت إليه، والموصوف بها والمقام يقتضيه ولذا جيء / بالمتين بعد ولم يكتف به عن الوصف بالقوة.

وقال الإمام: لما كان المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير جيء بوصف الرزق على صيغة المبالغة لأنه بدونها لا يكفي في تقرير عدم إرادة الرزق وبوصف القوة بما لا مبالغة فيه لكفايته في تقرير عدم الاستعانة فإن من له قوة دون الغاية لا يستعين بغيره لكن لما لم يدل { ذُو ٱلْقُوَّةِ } على أكثر من أن له تعالى قوة ما زيد الوصف بالمتين وهو الذي له ثبات لا يتزلزل، ثم قال: إن القوي أبلغ من ذي القوة والعزة أكمل من المتانة وقد قرن الأكمل بالأكمل وما دونه بما دونه في قوله تعالى: { { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ } [الحديد: 25] وفي قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } الخ لما اقتضى المقام ذلك، وقد أطال الكلام في هذا المقام وما أظنه يصفو عن كدر.

وقرأ ابن محيصن ـ الرازق ـ بزنة الفاعل، وقرأ الأعمش وابن وثاب ـ المتين ـ بالجر، وخرج على أنه صفة (القوة)، وجاز ذلك مع تذكيره لتأويلها بالاقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، أو لإجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول، وأجاز أبو الفتح أن يكون صفة ـ لذو ـ وجر على الجوار ـ كقولهم هذا جحر ضب خرب وضعف.