التفاسير

< >
عرض

مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ
١١
-النجم

روح المعاني

{ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } أي فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم { مَا رَأَىٰ } ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام أي ما قال فؤاده صلى الله عليه وسلم لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره فهو من قولهم كذب إذا قال كذباً فما كذب بمعنى ما قال الكذب، وقيل: أي ما كذب الفؤاد البصر فيما حكاه له من صورة جبريل عليه السلام وما في عالم الملكوت تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر.

قرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن إلياس وهشام عن ابن عامر { مَا كَذَّب } مشدداً أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته.

وفي الآيات من تحقيق أمر الوحي ما فيها. وفي «الكشف» أنه لما قال سبحانه: { { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } [النجم: 4] أي من عند الله تعالى { يُوحَى } ذكر جل وعلا ما يصور هذا المعنى ويفصله ليتأكد أنه وحي وأنه ليس من الشعر وحديث الكهان في شيء فقال تعالى: علم صاحبكم هذا الوحي من هو على هذه الصفات، وقوله تعالى: { فَٱسْتَوَىٰ } وحديث قيامه بصورته الحقيقية ليؤكد أن ما يأتيه في صورة دحية هو هو فقد رآه بصورة نفسه وعرفه حق معرفته فلا يشتبه عليه بوجه، وقوله تعالى: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } تتميم لحديث نزوله إليه عليه الصلاة والسلام وإتيانه بالمنزل، وقوله سبحانه: { فَأَوْحَىٰ } أي جبريل ذلك الوحي الذي مر أنه من عند الله تعالى إلى عبد الله وإنما قال سبحانه: { مَآ أَوْحَىٰ } ولم يأت بالضمير تفخيماً لشأن المنزل وأنه شيء يجل عن الوصف فأنى يستجيز أحد من نفسه أن يقول إنه شعر أو حديث كاهن، وإيثار { عَبْدِهِ } بدل إليه أي إلى صاحبكم لإضافة الاختصاص وإيثار الضمير على الاسم العلم في هذا المقام لترشيحه وأنه ليس عبداً إلا له عز وجل فلا لبس لشهرته بأنه عبد الله لا غير، وجاز أن يكون التقدير: فأوحى الله تعالى بسببه أي بسبب هذا المعلم إلى عبده، ففي الفاء دلالة على هذا المعنى وهذا وجه أيضاً سديد، ثم قال سبحانه: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } على معنى أنه لما عرفه وحققه لم يكذبه فؤاده بعد ذلك ولو تصور بغير تلك الصورة إنه جبريل، فهذا نظم سرى مرعى فيه النكت حق الرعاية مطابق للوجود لم يعدل به عن واجب الوفاق بين البداية والنهاية انتهى. وهو كلام نفيس يرجح به ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وسيأتي ذلك إن شاء الله عز وجل بما له وعليه.