التفاسير

< >
عرض

عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ
٤
-الرحمن

روح المعاني

{ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } لأن البيان هو الذي به يتمكن عادة من تعلم القرآن وتعليمه، والمراد به المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير. والمراد بتعليمه نحو ما مر. وفي «الإرشاد» أن قوله تعالى: { { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } [الرحمن: 3] تعيين للمتعلم، وقوله سبحانه: { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } تبيين لكيفية التعليم. والمراد بتعليم البيان تمكين الإنسان من بيان نفسه، ومن فهم بيان غيره إذ هو الذي يدور عليه تعليم القرآن. وقيل: - بناءاً على تقدير المفعول المحذوف الملائكة المقربين - إن تقديم تعليم القرآن لتقدمه وقوعاً فهم قد علموه قبل خلق الإنسان وربما يرمز إليه قوله تعالى: { { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 77ـ79] وفي النظم الجليل عليه حسن زائد حيث إنه تعالى ذكر أموراً علوية وأموراً سفلية وكل علوي قابله بسفلي ويأتي هذا على تقدير المفعول جبريل عليه السلام أيضاً. وقال الضحاك: { ٱلبَيَانَ } الخير والشر، وقال ابن جريج: سبيل الهدى وسبيل الضلالة، وقال يمان: الكتابة والكل كما ترى، وجوز أن يراد به القرآن وقد سماه الله تعالى بياناً في قوله سبحانه: { { هَـٰذَا بَيَانٌ } [آل عمران: 138] وأعيد ليكون الكلام تفصيلاً لإجمال { { عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } [الرحمن: 2] وهذا في غاية البعد.

وقال قتادة: { ٱلإِنسَـٰنَ } آدم و { ٱلبَيَانَ } علم الدنيا والآخرة، وقيل: { ٱلبَيَانَ } أسماء الأشياء كلها. وقيل: التكلم بلغات كثيرة، وقيل: الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء، ونسب هذا إلى جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه. وقال ابن كيسان: { ٱلإِنسَـٰنَ } محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه قيل: المراد بالبيان بيان المنزل والكشف عن المراد به كما قال تعالى: { { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44] أو الكلام الذي يشرح به المجمل والمبهم في القرآن أو القرآن نفسه على ما سمعت آنفاً، أو نحو ذلك مما يناسبه عليه الصلاة والسلام ويليق به من المعاني السابقة، ولعل ابن كيسان يقدر مفعول علم الإنسان مراداً به النبـي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهذه أقوال بين يديك، والمتبادر من الآيات الكريمة لا يخفى عليك ولا أظنك في مرية من تبادر ما ذكرناه فيها أولاً.

ثم إن كلاً من الجملتين الأخيرتين خبر عن المبتدأ كجملة { { عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } [الرحمٰن: 2] وكذا قوله تعالى: { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }.