التفاسير

< >
عرض

وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
-الرحمن

روح المعاني

{ وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } قوموا وزنكم بالعدل، وقال الراغب: هذا إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال، وعن مجاهد أن المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء، وقال سفيان بن عيينة: الإقامة باليد والقسط بالقلب، والظاهر أن الجملة عطف على الجملة المنفية قبلها ولا يضر في ذلك كونها إنشائية، وتلك خبرية لأنها لتأويلها بالمفرد تجردت عن معنى الطلب، وجعل بعضهم { لا } في الأولى مطلقاً ناهية حرصاً على التوافق.

{ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } أي لا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه. وكرر لفظ { ٱلْمِيزَانَ } بدون إضماره كما هو مقتضى الظاهر تشديداً للتوصية وتأكيداً للأمر باستعماله والحث عليه، بل في الجمل الثلاث تكرار مّا معنى لذلك.

وقرىء { وَلاَ تخسروا } بفتح التاء وضم السين، وقرأ زيد بن علي وبلال بن أبـي بردة بفتح التاء وكسر السين. وحكى ابن جني وصاحب «اللوامح» عن بلال أنه قرأ بفتحهما، وخرّج ذلك الزمخشري على أن الأصل ولا تخسروا في الميزان فحذف الجار، وأوصل الفعل بناءاً على أنه لم يجىء إلا لازماً، وتعقبه أبو حيان بأن خسر قد جاء متعدياً كقوله تعالى: { { خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } [الأنعام: 12] و { { خَسِرَ ٱلدُّنُيَا وَٱلأَخِرَةِ } [الحج: 11] فلا حاجة إلى دعوى الحذف والإيصال.

وأجيب بأنه على تقدير أن يكون متعدياً هنا لا بد من القول بالحذف والإيصال لأن المعنى على حذف المفعول به أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان أي لا تكونوا خاسريها يوم القيامة بسبب الميزان بأن لا تراعوا ما ينبغي فيه، والراغب جوز حمل الآية على القراءة المشهورة على نحو هذا فقال: إن قوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يعاطاه فيه، ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به في القيامة خاسراً فيكون ممن قال سبحانه فيه: { { مَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } [القارعة: 8] وكلا المعنيين متلازمان، وقيل: المعنى على التعدي بتقدير مضاف أي موزون الميزان، أو جعل الميزان مجازاً عن الموزون فيه فتأمل ولا تغفل.