التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
-الواقعة

روح المعاني

وقوله تعالى: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة، ولعل تأخير ذكرهم مع كونهم أسبق الأصناف وأقدمهم في الفضل ليردف ذكرهم ببيان محاسن أحوالهم على أن إيرادهم بعنوان السبق مطلقاً معرب عن إحرازهم قصب السبق من جميع الوجوه.

واختلف في تعيينهم فقيل: هم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان، وروي هذا عن عكرمة ومقاتل، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار الذي ذكر في يس وعليّ بن أبـي طالب كرم الله تعالى وجهه وكل رجل منهم سابق أمته وعليّ أفضلهم، وقيل: هم الذين سبقوا في حيازة الكمالات من العلوم اليقينية ومراتب التقوى الواقعة بعد الإيمان، وقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم مقدموا أهل الأديان، وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين كما قال تعالى: { { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأَنْصَـٰرِ } [التوبة: 100] وعن ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة، وعن عليّ كرم الله تعالى وجهه هم السابقون إلى الصلوات الخمس، وأخرج أبو نعيم والديلمي عن ابن عباس مرفوعاً «أول من يهجر إلى المسجد وآخر من يخرج منه».

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبادة بن أبـي سودة مولى عبادة بن الصامت قال: بلغنا أنهم السابقون إلى المساجد والخروج في سبيل الله عز وجل، وعن الضحاك هم السابقون إلى الجهاد، وعن ابن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر، وقال كعب: هم أهل القرآن، وفي «البحر» في الحديث "سئل عن السابقين فقال: هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم" ، وقيل: الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم دام عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبته فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال، وعن ابن كيسان أنهم المسارعون إلى كل ما دعا الله تعالى إليه ورجحه بعضهم بالعموم، وجعل ما ذكر في أكثر الأقوال من باب التمثيل. وأياً ما كان فالشائع أن الجملة مبتدأ وخبر والمعنى والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت فخامتهم كقوله:

أنا أبو النجم وشعري شعري

وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم ما لا يخفى، وقيل: متعلق السبق مخالف لمتعلق السبق الثاني أي السابقون إلى طاعة الله تعالى السابقون إلى رحمته سبحانه، أو السابقون إلى الخير السابقون إلى الجنة، والتقدير الأول محكي عن صاحب «المرشد». وأنت تعلم أن الحمل مفيد بدون ذلك كما سمعت بل هو أبلغ وأنسب بالمقام وأياً ما كان فقوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ }.