التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
-الواقعة

روح المعاني

مبتدأ وخبر والجملة استئناف بياني، وقيل: { { ٱلسَّـٰبِقُونَ } [الواقعة: 10] السابق مبتدأ و{ ٱلسَّـٰبِقُونَ } اللاحق تأكيد له وما بعد خبر وليس بذاك أيضاً لفوات مقابلة ما ذكر لقوله تعالى: { { فَأَصْحَـٰبُ } [الواقعة: 8] الخ ولأن القسمة لا تكون مستوفاة حينئذ، ولفوات المبالغة المفهومة من نحو هذا التركيب على ما سمعت مع أنهم أعني السابقين أحق بالمدح والتعجيب من حالهم من السابقين ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقربون من الفخامة وإنما لم يقل والسابقون ما السابقون على منوال الأولين لأنه جعل أمراً مفروغاً مسلماً مستقلاً في المدح والتعجيب، والإشارة بأولئك إلى السابقين ومافيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل، / و { ٱلْمُقَرَّبُونَ } من القربة بمعنى الحظوة أي أولئك الموصوفون بذلك النعت الجليل الذين أنيلوا حظوة ومكانة عند الله تعالى، وقال غير واحد: المراد الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم.

هذا وفي «الارشاد»: الذي تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى: { { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8] خبر مبتدأ محذوف وكذا قوله سبحانه: { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } [الواقعة: 9] وقوله جل شأنه: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } فإن المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام. وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة، والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كلاً منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عن ترامي أحوالهما في الخير والشر إنباءاً إجمالياً مشعراً بأن لأحوال كل منهما تفصيلاً مترقباً لكن لا على أن { مَا } الاستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على مارآه سيبويه في أمثاله بل على أنها خبر لما بعدها فإن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون { مَا } خبراً لا بيان أن أمراً بديعاً أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال في { { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } [الواقعة: 9] وأما القسم الأخير فحيث قرن به بيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذج فقوله تعالى: { ٱلسَّـٰبِقُونَ } مبتدأ والإظهار في مقام الإضمار للتفخيم و { أُوْلَـٰئِكَ } مبتدأ ثان، أو بدل من الأول وما بعده خبر له، أو للثاني، والجملة خبر للأول انتهى.

وقيل عليه: إنه ليس في جعل جملتي الاستفهام وقوله سبحانه: { ٱلسَّـٰبِقُونَ } إخباراً لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلاً حتى يقال: حقها أن تبين بعد أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام مع إشارة إلى ترامي أحوالها في الخير والشر والتعجيب من ذلك. وأيضاً مقتضى ما ذكره أن لا يذكر { { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 27] و { { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ } [الواقعة: 41] في التفصيل. وتعقب هذا بأن الذكر محتاج إلى بيان نكتة على الوجه الدائر على ألسنتهم كاحتياجه إليه على هذا الوجه، ولعلها عليه أنه لما عقب الأولين بما يشعر بأن لأحوال كل تفاصيل مترقبة أعيد ذلك للإعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع. والذي يتبادر للنظر الجليل ما في «الإرشاد» من كون أصحاب الميمنة وكذا كل من الأخيرين خبر مبتدأ محذوف كما سمعت لأن المتبادر بعد بيان الانقسام ذكر نفس الأقسام على أن تكون هي المقصودة أولاً وبالذات دون الحكم عليها وبيان أحوالها مطلقاً وإن تضمن ذلك ذكرها لكن ما ذكروه أبعد مغزى ومع هذا لا يتعين على ما ذكر كون تينك الجملتين الاستفهاميتين معترضتين بل يجوز أن يكون كل منهما صفة لما قبلها بتقدير القول كأنه قيل: فأحدها أصحاب الميمنة المقول فيهم { { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8] وكذا يقال في { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } [الواقعة: 9] الخ، ويجعل أيضاً { ٱلسَّـٰبِقُونَ } صفة ـ للسابقون ـ قبله، والتأويل في الوصفية كالتأويل في الخبرية ويكون الوصف بذلك قائماً مقام تينك الجملتين في المدح، والجملة بعد مستأنفة استئنافاً بيانياً كما في الوجه الشائع، وما يقال: إن في هذا الوجه حذف الموصول مع بعض أجزاء الصلة يجاب عنه بمنع كون ـ أل ـ في الوصف حيث لم يرد منه الحدوث موصولة فتأمل ولا تغفل.