التفاسير

< >
عرض

وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
-الواقعة

روح المعاني

قال سفيان وغيره: جار من غير أخاديد، وقيل: منساب حيث شاؤوا لا يحتاجون فيه إلى سانية ولا رشاء، وذكر هذه الأشياء لما أن كثيراً من المؤمنين لبداوتهم تمنوها، أخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد قال: كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلحة وسدره فأنزل الله تعالى: { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ * فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 27ـ28] الخ، وفي رواية عن الضحاك «نظر المسلمون إلى وج فأعجبهم سدره وقالوا: يا ليت لنا مثل هذا فنزلت هذه الآية». / وقيل: كأنه لما شبه حال السابقين بأقصى ما يتصور لأهل المدن من كونهم على سرر تطوف عليهم خدامهم بأنواع الملاذ شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتصور لأهل البوادي من نزولهم في أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار وظلال إيذاناً بأن التفاوت بين الفريقين كالتفاوت بين أهل المدن والبوادي، وذكر الإمام مدعياً أنه مما وفق له أن قوله تعالى: { { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 28-29] من باب قوله سبحانه: { { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [الشعراء: 28] لأن السدر أوراقه في غاية الصغر والطلح يعني الموز أوراقه في غاية الكبر فوقعت الإشارة إلى الطرفين فيراد جميع الأشجار لأنها نظراً إلى أوراقها محصورة بينهما وهو مما لا بأس به.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وجعفر بن محمد وعبد الله رضي الله تعالى عنهم ـ وطلع ـ بالعين بدل { وَطَلْحٍ } بالحاء، وأخرج ابن الأنباري في «المصاحف» وابن جرير عن قيس بن عباد قال: قرأت على علي كرم الله تعالى وجهه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } فقال: ما بال الطلح؟ أما تقرأ وطلع، ثم قرأ قوله تعالى: { { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [قۤ: 10] فقيل له: يا أمير المؤمنين أنحكها من المصحف؟ فقال: لا يهاج القرآن اليوم وهي رواية غير صحيحة كما نبه على ذلك الطيبـي، وكيف يقرأ أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه تحريفاً في كتاب الله تعالى المتداول بين الناس؟ أو كيف يظنّ بأن نقلة القرآن ورواته وكتابه من قبل تعمدوا ذلك أو غفلوا عنه؟ هذا والله تعالى قد تكفل بحفظه سبحانك هذا بهتان عظيم.

ثم إن الذي يقتضيه النظم الجليل كما قال الطيبـي: حمل { { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] الخ على معنى التظليل، وتكاثف الأشجار على سبيل الترقي لأن الفواكه مستغنى عنها بما بعد وليقابل قوله تعالى: { { وَأَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ * فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ } [الواقعة: 41ـ43] قوله سبحانه: { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 27] الخ فإذن لا مدخل لحديث الطلع في معنى الظل وما يتصل به لكن قال صاحب «الكشف»: إن وصف الطلح بكونه منضوداً لا يظهر له كثير ملاءمة لكون المقصود منفعة التظليل وينبغي أن يحمل الطلح على أنه من عظام العضاه على ما ذكره في «الصحاح» فشجر أم غيلان والموز لا ظل لهما يعتد به، ثم قال: ولو حمل الطلح على المشموم لكان وجهاً انتهى، وقد قدمنا لك خبر سبب النزول فلا تغفل.