التفاسير

< >
عرض

سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
-الحديد

روح المعاني

{ سَابِقُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } أي سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار إلى أسباب مغفرة عظيمة كائنة { مّن رَّبّكُمْ } والكلام على الاستعارة أو المجاز المرسل واستعمال اللفظ في لازم معناه، وإنما لزم ذلك لأن اللازم أن يبادر من يعمل ما يكون سبباً للمغفرة ودخول الجنة لا أن يعمله أو يتصف بذلك سابقاً على آخر؛ وقيل: المراد سابقوا ملك الموت قبل أن يقطعكم بالموت عن الأعمال الموصلة لما ذكر؛ وقيل: سابقوا إبليس قبل أن يصدكم بغروره وخداعه عن ذلك وهو كما ترى. والمراد بتلك الأسباب الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها، وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: كن أوّل داخل المسجد وآخر خارج، وقال عبد الله: كونوا في أول صف القتال، وقال أنس: اشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام وكل ذلك من باب التمثيل، واستدل بهذا الأمر على أن الصلاة بأول وقتها أفضل من التأخير.

{ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } أي كعرضهما جميعاً لو ألصق أحدهما بالآخر، وإذا / كان العرض وهو أقصر الامتدادين موصوفاً بالسعة دل على سعة الطول بالطريق الأولى فالاقتصار عليه أبلغ من ذكر الطول معه، وقيل: المراد بالعرض البسطة ولذا وصف به الدعاء ونحوه مما ليس من ذوي الأبعاد وتقدم قول آخر في تفسير نظير الآية من سورة آل عمران [133] وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية.

{ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي هيئت لهم، واستدل بذلك على أن الجنة موجودة الآن لقوله تعالى: { أُعِدَّتْ } بصيغة الماضي والتأويل خلاف الظاهر، وقد صرح بخلافه في الأحاديث الصحيحة وتمام الكلام في علم الكلام، وعلى أن الإيمان وحده كاف في استحقاق الجنة لذكره وحده فيما في حيز ما يشعر بعلة الإعداد وإدخال العمل في الإيمان المعدّى بالباء غير مسلم كذا قالوا، ومتى أريد بالذين آمنوا المذكورين من لهم درجة في الإيمان يعتد بها، وقيل: بأنها لا تحصل بدون الأعمال الصالحة على ما سمعته منا قريباً انخدش الاستدلال الثاني في الجملة كما لا يخفى. وذكر النيسابوري في وجه التعبير هنا ـ بسابقوا ـ وفي آية آل عمران ـ بسارعوا ـ وبالسماء هنا، بالسماوات هناك ـ وبكعرض ـ هنا ـ وبعرض ـ بدون أداة تشبيه ثمّ كلاماً مبنياً على أن المراد بالمتقين هناك السابقون المقربون، وبالذين آمنوا هنا من هم دون أولئك حالاً فتأمل.

{ ذٰلِكَ } أي الذي وعد من المغفرة والجنة { فَضْلُ ٱللَّهُ } عطاؤه الغير الواجب عليه { يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } إيتاءه { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } فلا يبعد منه عز وجل التفضل بذلك على من يشاء وإن عظم قدره، فالجملة تذييل لإثبات ما ذيل بها.