التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
-الحديد

روح المعاني

{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } أي نائبة أيّ نائبة وأصلها في الرمية وهي من أصاب السهم إذا وصل إلى المرمى بالصواب ثم خصت بها. وزعم بعضهم أنها لغة عامة في الشر والخير وعرفاً خاصة بالشر. و { مِنْ } مزيدة للتأكيد، وأصاب جاء في الشر كما هنا، وفي الخير كقوله تعالى: { { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } [النساء: 73] وذكر بعضهم أنه يستعمل في الخير اعتباراً بالصوب أي بالمطر وفي الشر اعتباراً بإصابة السهم، وكلاهما يرجعان إلى أصل وتذكير الفعل في مثل ذلك جائز كتأنيثه، وعليه قوله تعالى: { { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } [الحجر: 5] والكلام على العموم لجميع الشرور أي مصيبة أيّ مصيبة { فِى ٱلأَرْضِ } كجدب وعاهة في الزرع والثمار وزلزلة وغيرها { وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ } كمرض وآفة كالجرح والكسر { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } أي إلا مكتوبة مثبتة في اللوح المحفوظ، وقيل: في علم الله عز وجل. { مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } أي نخلقها، والضمير على ما روي عن ابن عباس وقتادة والحسن وجماعة للأنفس، وقيل: للأرض، واستظهر أبو حيان كونه للمصيبة لأنها هي المحدث عنها، وذكر الأرض والأنفس إنما هو على سبيل ذكر محلها، وذكر المهدوي جواز عوده على جميع ما ذكر، وقال جماعة: يعود على المخلوقات وإن لم يجر لها ذكر.

وقيل: المراد بالمصيبة هنا الحوادث من خير وشر وهو خلاف الظاهر من استعمال المصيبة إلا أن فيما بعد نوع تأييد له وأياً مّا كان ففي الأرض متعلق بمحذوف مرفوع أو مجرور صفة لمصيبة على الموضع أو على اللفظ، وجوز أن يكون ظرفاً لأصاب أو للمصيبة، قيل: وإنما قيدت المصيبة بكونها في الأرض والأنفس لأن الحوادث المطلقة كلها ليست مكتوبة في اللوح لأنها غير متناهية، واللوح متناه وهو لا يكون / ظرفاً لغير المتناهي ولذا جاء "جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة" .

وفي الآية تخصيص آخر وهو أنه سبحانه لم يذكر أحوال أهل السماوات لعدم تعلق الغرض بذلك مع قلة المصائب في أهلها بل لا يكاد يصيبهم سوى مصيبة الموت، وما ذكره في وجه التخصيص الأول لا يتم إذا أريد بالكتاب علمه سبحانه، وقيل: بأن كتابة الحوادث فيه على نحو كتابتها في القرآن العظيم بناءاً على ما يقولون: إنه ما من شيء إلا ويمكن استخراجه منه حتى أسماء الملوك ومددهم وما يقع منهم ولو قيل في وجهه ـ إن الأوفق بما تقدم من شرح حال الحياة الدنيا إنما هو ذكر المصائب الدنيوية فلذا خصت بالذكر ـ لكان تاماً مطلقاً.

{ إِنَّ ذٰلِكَ } أي إثباتها في كتاب { عَلَى ٱللَّهِ } لا غيره سبحانه { يَسِيرٌ } لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة، وإن أريد بذلك تحققها في علمه جل شأنه فيسره لأنه من مقتضيات ذاته عز وجل. وفي الآية رد على هشام بن الحكم الزاعم أنه سبحانه لا يعلم الحوادث قبل وقوعها. وفي «الإكليل» أن فيها رداً على القدرية، وجاء ذلك في خبر مرفوع، أخرج الديلمي عن سليم بن جابر الجهيمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيفتح على أمتي باب من القدر في آخر الزمان لا يسدّه شيء يكفيكم منه أن تلقوه بهذه الآية { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ }" .وأخرج الإمام أحمد والحاكم وصححه عن أبـي حسان "أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن نبـي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار فقالت: والذي أنزل القرآن على أبـي القاسم صلى الله عليه وسلم ما هكذا كان يقول، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار" ، ثم قرأت { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } الآية.