التفاسير

< >
عرض

ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ
١٩
-المجادلة

روح المعاني

{ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي غلب على عقولهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستولياً عليهم، وقال الراغب: الحَوْذُ أن يتبع السائق حَاذَيْ البعير أي أدبار فخذيه فيعنف في سَوْقه يقال: حاذ الإبل يحوذها أي ساقها / سوقاً عنيفاً، وقوله تعالى: { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي استقاهم مستولياً عليهم، أو من قولهم: استحوذ العير على الأتان أي استولى على حَاذَيْهَا أي جانبـي ظهرها اهـ.

وصرح بعض الأجلة أن الحَوْذَ في الأصل السَّوْقُ والجمع، وفي «القاموس» تقييد السوق بالسريع ثم أطلق على الاستيلاء، ومثله الإحواذ والأحوذي، وهو كما قال الأصمعي: المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عنه منها شيء، ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما كان أحوذياً نسيج وحده مأخوذ من ذلك، واستحوذ مما جاء على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفاً كما سمع فيه قليلاً، وقرأ به هنا أبو عمرو فجاء مخالفاً للقياس كاستنوق واستصوب وإن وافق الاستعمال المشهور فيه، ولذا لم يخل استعماله بالفصاحة، وفي استفعل هنا من المبالغة ما ليس في فعل.

{ فَأَنسَـٰهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } في معنى لم يمكنهم من ذكره عز وجل بما زين لهم من الشهوات فهم لا يذكرونه أصلاً لا بقلوبهم ولا بألسنتهم { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بما ذكر من القبائح { حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ } أي جنوده وأتباعه.

{ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـٰنِ هُمُ الخَـٰسِرُونَ } أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوّتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم. وفي تصدير الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق وإظهار المتضايفين معاً في موقع الإضمار بأحد الوجهين، وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى.