التفاسير

< >
عرض

فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
-الحشر

روح المعاني

{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } أبد الآبدين { وَذَلِكَ } أي الخلود في النار { جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } على الإطلاق دون المذكورين خاصة، والجمهور على أن المراد بالشيطان والإنسان الجنس فيكون التبري يوم القيامة وهو الأوفق بظاهر قوله: { { إِنّى أَخَافُ } [الحشر: 16] الخ. وذهب بعضهم إلى أن المراد بالشيطان إبليس، وبالإنسان أبو جهل عليهما اللعنة قال له يوم بدر: { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } فلما وقعوا فيما وقعوا قال: { { إني برىء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله } [الأنفال: 48] الآية، وفي الآية عليه - مع ما تقدم عن مجاهد - لطيفة؛ وذلك أنه لما شبه أولاً حال إخوان المنافقين من أهل الكتاب بحال أهل بدر شبه هنا حال المنافقين بحال الشيطان في قصة أهل بدر، ومعنى { ٱكْفُرْ } على تخصيص الإنسان بأبـي جهل دُمْ على الكفر عند بعض، وقال الخفاجي: لا حاجة لتأويله بذلك لأنه تمثيل.

وأخرج أحمد في «الزهد» والبخاري في «تاريخه» والبيهقي في «الشعب» والحاكم وصححه وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلاً كان يتعبد في صومعته وأن امرأة كانت لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها فزينت له نفسه فوقع عليها فحملت فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها فجاءوه فأخذوه فذهبوا به فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك فسجد له أي ثم / تبرأ منه وقال له ما قال، فذلك قوله تعالى: { { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَـٰنِ ٱكْفُرْ } [الحشر: 16] الآية. وهذا الرجل هو برصيصا الراهب، وقد رويت قصته على وجه أكثر تفصيلاً مما ذكر وهي مشهورة في القصص. وفي «البحر» إن قول الشيطان: { { إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ } [الحشر: 16] كان رياءاً وهو لا يمنعه الخوف عن سوء يوقع فيه ابن آدم.

وقرىء (أنا برىء). وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وسليم بن أرقم ـ فكان عاقبتهما ـ بالرفع على أنه اسم كان، وأنهما الخ في تأويل مصدر خبرها على عكس قراءة الجمهور. وقرأ عبد الله وزيد بن علي والأعمش وابن أبـي عبلة ـ خالدان ـ بالألف على أنه خبر إن، وَ{ فِى ٱلنَّارِ } متعلق به، وقدم للاختصاص، وفيها تأكيد له وإعادة بضميره، وجوز أن يكون ـ في النار ـ خبر إن، و ـ خالدان ـ خبر ثانياً وهو في قراءة الجمهور حال من الضمير في الجار والمجرور.