التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٤
-الحشر

روح المعاني

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ } المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة، أو مبدع الأشياء من غير أصل ولا احتذاء، ويفسر الخلق بإيجاد الشيء من الشيء { ٱلْبَارِىءُ } الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه بحسب الحكمة والجبلة، وقيل: المميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة { ٱلْمُصَوّرُ } الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد. وقال الراغب: الصورة ما تنتقش بها الأعيان وتتميز بها عن غيرها، وهي ضربان: محسوسة تدركها العامة والخاصة بل الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الفرس المشاهدة، ومعقولة تدركها الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء، وإلى الصورتين أشار بقوله سبحانه: { { خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } [الأعراف: 11] إلى آيات أخر انتهى فلا تغفل.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وحاطب بن أبـي بلتعة والحسن وابن السميقع { ٱلْمُصَوّرُ } بفتح الواو والنصب على أنه مفعول للبارىء، وأريد به جنس المصور، وعن علي كرم الله تعالى وجهه فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول نحو الضارب الغلام. وفي «الخانية» إن قراءة { ٱلْمُصَوّرُ } بفتح الواو هنا تفسد الصلاة؛ ولعله أراد إذا أجراه حينئذٍ على الله سبحانه، وإلا ففي دعوى الفساد بعد ما سمعت نظر.

{ لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } الدالة على محاسن المعاني { يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } من الموجودات بلسان الحال لما تضمنته من الحكم والمصالح التي يضيق عن حصرها نطاق البيان، أو بلسان المقال الذي أوتيه كل منها حسبما يليق به على ما قاله كثير من العارفين، وقد تقدم الكلام فيه.

{ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى كمال القدرة المؤذن به { ٱلْعَزِيزُ } بناءاً على تفسيره بالغالب وإلى كمال العلم المؤذن به { ٱلْحَكِيمُ } بناءاً على تفسيره بالفاعل بمقتضى الحكمة، وفي ذلك إشارة إلى التحلية بعد التخلية كما في قوله تعالى: { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11] فتأمل ولا تغفل.

ولهذه الآيات فضل عظيم كما دلت عليه عدة روايات، وأخرج الإمام أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والطبراني وابن الضريس والبيهقي في «الشعب» عن معقل بن يسار عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة" .

وأخرج الديلمي عن ابن عباس مرفوعاً "اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر" . وأخرج أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري في «فوائده» عن محمد بن الحنفية أن البراء بن عازب قال لعلي بن أبـي طالب كرم الله تعالى وجهه: أسألك بالله إلا ما خصصتني بأفضل ما خصك به رسول الله عليه الصلاة والسلام مما خصه به جبريل مما بعث به الرحمن عز وجل، قال: يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر الحشر، ثم قال: يا من هو هكذا وليس شيء هكذا غيره، أسألك أن تفعل لي كذا وكذا فوالله يا براء لو دعوت علي لخسف بـي.

/ وأخرج الديلمي "عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال في قوله تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا } [الحشر: 21] إلى آخر السورة هي رقية الصداع" ، وأخرج الخطيب البغدادي في «تاريخه» قال: أنبأنا أبو عبيد الحافظ أنبأ أبو الطيب محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر المقري البغدادي ـ يعرف بغلام ابن شنبوذ ـ أنبأ إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية { { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ } [الحشر: 21] قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على يحيـى بن وثاب فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا ضع يدك على رأسك فإنا قرأنا على عبد الله رضي الله تعالى عنه فلما بلغنا هذه الآية قال ضعا أيديكما على رءوسكما فإني قرأت على النبـي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية قال لي: "ضع يدك على رأسك فإن جبريل عليه السلام لما نزل بها إلي قال: ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت" إلى غير ذلك من الآثار، والله تعالى أعلم.