التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
-الحشر

روح المعاني

{ لِلْفُقَرَاء الْمُهَـٰجِرِينَ } قال الزمخشري: بدل من قوله تعالى: { { وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } [الحشر: 7] والمعطوف عليه، والذي منع الإبدال من { لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } وما بعد وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل أخرج رسوله عليه الصلاة والسلام من الفقراء في قوله سبحانه: { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وأنه يترفع برسول الله عليه الصلاة والسلام عن التسمية بالفقير، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل، (وهذا كما لا يجوز أن يوصف سبحانه بعَلاَّمة لأجل التأنيث لفظاً لأن فيه سوء أدب) انتهى.

وعنى أنه بدل كل من كل لاعتبار المبدل منه مجموع ما ذكر، قال الإمام: فكأنه قيل: أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين، وما ذكر من الإبدال من { لذي ٱلْقُرْبَىٰ } وما بعده مبني على قول الحنفية إنه لا يعطى الغني من ذوي القربى وإنما يعطي الفقير، ومن يرى كالشافعي أنه يعطي غنيهم كما يعطي فقيرهم خص / الإبدال باليتامى وما بعده، وقيل: يجوز ذلك أيضاً إلا أنه يقول بتخصيص اعتبار الفقر بفيء بني النضير فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعط غنياً شيئاً منه، والآية نازلة فيه وفيه تعسف ظاهر.

وفي «الكشف» أن { لِلْفُقَرَاء } ليس للقيد بل بياناً للواقع من حال المهاجرين وإثباتاً لمزيد اختصاصهم كأنه قيل: لله وللرسول وللمهاجرين، وقال ابن عطية: { لِلْفُقَرَاء } الخ بيان لقوله تعالى: { { ٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } [الحشر: 7] وكررت لام الجر لما كان ما تقدم مجروراً بها لتبيين أن البدل هو منها. وقيل: اللام متعلقة بما دل عليه قوله تعالى: { { كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَاء مِنكُمْ } [الحشر: 7] كأنه قيل: ولكن يكون للفقراء المهاجرين. وسيأتي إن شاء الله تعالى ما خطر لنا في ذلك من الاحتمال بناءاً على ما يفهم من ظاهر كلام عمر بن الخطاب بمحضر جمع من الأصحاب.

{ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم وَأَمْوٰلَهُمْ } حيث اضطرهم كفار مكة وأحوجوهم إلى الخروج فخرجوا منها، وهذا وصف باعتبار الغالب، وقيل: كان هؤلاء مائة رجل { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } أي طالبين منه تعالى رزقاً في الدنيا ومرضاة في الآخرة، وصفوا أولاً بما يدل على استحقاقهم للفيء من الإخراج من الديار والأموال، وقيد ذلك ثانياً بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده مما يدل على توكلهم التام ورضاهم بما قدره المليك العلام { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } عطف على { يَبْتَغُونَ } فهي حال مقدرة أي ناوين لنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة نصرة وأي نصرة.

{ أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بما ذكر من الصفات الجليلة { هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ } أي الكاملون في الصدق في دعواهم الإيمان حيث فعلوا ما يدل أقوى دلالة عليه مع إخراجهم من أوطانهم وأموالهم لأجله لا غيرهم ممن آمن في مكة ولم يخرج من داره وماله، ولم يثبت منه نحو ما ثبت منهم لنحو لين منه مع المشركين، فالحصر إضافي ووجه بغير ذلك. وحمل بعضهم الكلام على العموم لحذف متعلق الصدق، وتمسك به لذلك فيه الاستدلال على صحة إمامة أبـي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لأن هؤلاء المهاجرين كانوا يدعونه بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قد شهد بصدقهم فلا بد أن تكون إمامته رضي الله تعالى عنه صحيحة ثابتة في نفس الأمر، وهو تمسك ضعيف مستغنية عن مثله دعوى صحة خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه بإجماع الصحابة، ومنهم علي كرم الله تعالى وجهه، ونسبة التقية إليه بالموافقة لا يوافقُ الشيعةَ عليها متق كدعوى الإكراه، بل مستغنية بغير ذلك أيضاً.