التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٤
-الأنعام

روح المعاني

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } تسلية إثر تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عموم البلوى ربما يهونها بعض تهوين / وفيه إرشاد له عليه الصلاة والسلام إلى الاقتداء بمن قبله من الرسل الكرام في الصبر على الأذى وعدة ضمنية بمثل ما منحوه من النصر، وتصدير الكلام بالقسم لتأكيد التسلية، وتنوين { رسل } للتفخيم والتكثير، و (من) متعلقة بكذبت، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع صفة لرسل، ورده أبو البقاء بأن الجثة لا توصف بالزمان، وفيه منع ظاهر، والمعنى تالله لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل أولو شأن خطير وعدد كثير أو كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك.

{ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذّبُواْ } (ما) مصدرية وقوله: { وَأُوذُواْ } عطف على { كذبوا } داخل في حكمه، ومصدر كذب التكذيب، «وآذى أذى وأذاة وأذية» كما في «القاموس» وإيذاء كما أثبته الراغب وغيره، وقول صاحب «القاموس»: «ولا تقل إيذاء» خطأ، والذي غرَّه ترك الجوهري وغيره له، وهو وسائر أهل اللغة لا يذكرون المصادر القياسية لعدم الاحتياج إلى ذكرها، والمصدران هنا من المبني للمفعول وهو ظاهر أي فصبروا على تكذيب قومهم لهم وإيذائهم إياهم فتأس بهم واصبر على ما نالك من قومك، والمراد بإيذائهم إما عين تكذيبهم أو ما يقارنه من فنون الإيذاء، - واختاره الطبرسي - ولم يصرح به ثقة باستلزام التكذيب إياه غالباً، وفيه تأكيد للتسلية، وجوز العطف على { كذبت } أو على { صبروا } وجوز أبو البقاء أن يكون هذا استئنافاً ثم رجح الأول.

وقوله سبحانه: { حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا } غاية للصبر، وفيه إيماء إلى وعد النصر للصابرين، وجوز أن يكون غاية للإيذاء وهو مبني على احتمال الاستئناف، والالتفات إلى نون العظمة للإشارة إلى الاعتناء بشأن النصر.

{ وَلا مُبَدِّلَ لكلَمَات الله } تقرير لمضمون ما قبله من إتيان نصره سبحانه إياهم، والمراد بكلماته تعالى ـ كما قال الكلبـي وقتادة ـ الآيات التي وعد فيها نصر أنبيائه عليهم الصلاة والسلام الدالة على نصر النبـي صلى الله عليه وسلم أيضاً كقوله تعالى { { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [المجادلة: 21] وقوله عز شأنه: { { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } [الصافات: 172-173] وجوز أن يراد بها جميع كلماته سبحانه التي من جملتها الآيات المتضمنة للمواعيد الكريمة ويدخل فيها المواعيد الواردة في حقه صلى الله عليه وسلم دخولاً أولياً. والالتفات إلى الاسم الجليل ـ كما قيل ـ للإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية من موجبات أن لا يغالبه سبحانه أحد في فعل من الأفعال ولا يقع منه جل شأنه خلف في قول من الأقوال، وظاهر الآية أن أحداً غيره تعالى لا يستطيع أن يبدل كلمات الله عز وجل بمعنى أن يفعل خلاف ما دلت عليه ويحول بين الله عز اسمه وبين تحقيق ذلك وأما أنه تعالى لا يبدل فلا تدل عليه الآية، والذي دلت عليه النصوص أنه سبحانه ربما يبدل الوعيد ولا يبدل الوعد.

{ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } تقرير أي تقرير لما منحوا من النصر وتأكيد لما أشعر به الكلام من الوعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو تقرير لجميع ما ذكر من تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام وإيذائهم ونصرهم، والنبأ كالقصص لفظاً ومعنى. وفي «القاموس» «النبأ محركة الخبر جمعه أنباء» وقيده بعضهم - وقد مرت الإشارة إليه - بما له شأن، وهو عند الأخفش المجوز زيادة من في الإثبات وقبل المعرفة مخالفاً في ذلك لسيبويه فاعل (جاء)، وصحح أن الفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي النبأ أو البيان. والجار متعلق بمحذوف وقع حالاً منه، وقيل ـ وإليه يشير كلام الرماني ـ إنه محذوف والجار والمجرور صفته أي ولقد جاءك نبأ كائن من نبأ المرسلين، وفيه أن الفاعل لا يجوز / حذفه هنا، وقال أبو حيان: «الذي يظهر لي أن الفاعل ضمير عائد على ما دل عليه المعنى من الجملة السابقة أي ولقد جاءك هذا الخبر من التكذيب وما يتبعه». وقيل ـ وربما يشعر به كلام «الكشاف» ـ: إن (من) هي الفاعل، والمراد بعض أنبائهم.