التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
٤٦
-الأنعام

روح المعاني

{ قُلْ } يا محمد على سبيل التبكيت والإلزام أيضاً { أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـٰرَكُمْ } أي أصمكم وأعماكم فأخذهما مجاز عما ذكر لأنه لازم له، والاستدلال بالآية على بقاء العرض زمانين محل نظر. { وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } بأن غطى عليها بما لا يبقى لكم معه عقل وفهم أصلاً. وقيل: يجوز أن يكون الختم عطفاً تفسيرياً للأخذ فإن البصر والسمع طريقان للقلب منهما يرد ما يرده من المدركات فأخذهما سد لبابه بالكلية وهو السر في تقديم أخذهما على الختم عليها. واعترض بأن من المدركات ما لا يتوقف على السمع والبصر، ولهذا قال غير واحد بوجوب الإيمان بالله تعالى على من ولد أعمى أصم وبلغ سن التكليف، وقيل: في التقديم إنه من باب تقديم ما يتعلق بالظاهر على ما يتعلق بالباطن. ووجه تقديم السمع وإفراده قد تقدمت الإشارة إليه.

{ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } أي بذلك على أن الضمير مستعار لاسم الإشارة المفرد لأنه الذي / كثر في الاستعمال التعبير به عن أشياء عدة وأما الضمير المفرد فقد قيل فيه ذلك. ونقل عن الزجاج أن الضمير راجع إلى المأخوذ والمختوم عليه في ضمن ما مر أي المسلوب منكم أو راجع إلى السمع وما بعده داخل معه في القصد ولا يخفى بعده. وجوز أن يكون راجعاً إلى أحد هذه المذكورات. و { مَّنْ } مبتدأ و { إِلَـٰهٌ } خبره و { غَيْرُ } صفة للخبر و { يَأْتِيكُمْ } صفة أخرى، والجملة ـ كما قال غير واحد ـ متعلق الرؤية ومناط الاستخبار أي أخبروني إن سلب الله تعالى مشاعركم من إله غيره سبحانه يأتيكم بها وترك كاف الخطاب هنا قيل: لأن التخويف فيه أخف مما تقدم ومما يأتي. وقيل: اكتفاء بالسابق واللاحق لتوسط هذه الخطاب بينهما، وقيل: لما كان هذا العذاب مما لا يبقى القوم معه أهلاً للخطاب حذفت كافه إيماء لذلك ورعاية لمناسبة خفية.

{ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } أي نكررها على أنحاء مختلفة، ومنه تصريف الرياح. والمراد من الآيات ـ على ما روي عن الكلبي ـ الآيات القرآنية وهل هي على الإطلاق أو ما ذكر من أول السورة إلى هنا؟ أو ما ذكر قبل هذا؟ أقوال أقربها عندي الأقرب وفيها الدال على وجود الصانع وتوحيده وما فيه الترغيب والترهيب والتنبيه والتذكير. وهذا تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لمن يصلح للخطاب من عدم تأثرهم بما مر من الآيات الباهرات. { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } أي يعرضون عن ذلك: وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنشد لهذا المعنى قول أبي سفيان بن الحرث:

عجبت لحكم الله فينا وقد بدا له صدفنا عن كل حق منزل

وذكر بعضهم أنه يقال: صدف عن الشيء صدوفاً إذا مال عنه. وأصله من الصدف الجانب والناحية ومثله الصدفة وتطلق على كل بناء مرتفع. وجاء في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم مر بصدف مائل فأسرع. والجملة عطف على { نُصَرّفُ } داخل معه في حكمه وهو العمدة في التعجيب. و { ثُمَّ } للاستبعاد أي أنهم بعد ذلك التصريف الموجب للإقبال والإيمان يدبرون ويكفرون.