التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٥١
-الأنعام

روح المعاني

{ وَأَنذِرِ } أي عظ وخوف يا محمد { بِهِ } أي بما يوحى أو بالقرآن كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والزجاج، وقيل: أي بالله تعالى وروي ذلك عن الضحاك. وهذا أمر منه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد ما حكى سبحانه وتعالى له أن من الكفرة من لا يتعظ ولا يتأثر قد التحق بالأموات وانتظم في سلك الجمادات فما ينجع فيه دواء الإنذار ولا يفيده العظة والتذكار إذ ينذر من يتوقع في الجملة منهم الانتفاع ويرجى منهم القبول والسماع وهو المشار إليهم بقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } فالمراد من الموصول «المجوزون للحشر على الوجه الآتي سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين في شفاعة آبائهم الأنبياء كالأولين أو في شفاعة الأصنام كالآخرين أو المترددين فيهما معاً كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديثه يخافون أن يكون حقاً، وأما المنكرون للحشر رأساً والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن أمر بإنذارهم» كذا قال شيخ الإسلام.

وروي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم أن المراد بالموصول المؤمنون وارتضاه غير واحد إلا أنهم قيدوا بالمفرطين لأنه المناسب للإنذار ورجاء التقوى. وتعقبه الشيخ بأنه مما لا يساعده السباق ولا السياق بل فيه ما يقضي بعدم صحته وبينه بما سيذكر قريباً إن شاء الله تعالى، وقيل: المراد المؤمنون والكافرون وعلله الإمام الرازي «بأنه لا عاقل إلا وهو يخاف الحشر سواء قطع بحصوله أو كان شاكاً فيه لأنه بالاتفاق غير معلوم البطلان بالضرورة فكان هذا الخوف قائماً في حق الكل وبأنه عليه الصلاة والسلام كان مبعوثاً إلى الكل فكان مأموراً بالتبليغ إليه» ولا يخفى ما فيه، والمفعول الثاني للإنذار إما العذاب الأخروي المدلول عليه بما في حيز الصلة، وإما مطلق العذاب الذي ورد به الوعيد. والتعرض لعنوان الربوبية بتحقيق المخافة إما باعتبار أن التربية المفهومة منها مقتضية خلاف ما خافوا لأجل الحشر، وإما باعتبار أنها منبئة عن المالكية المطلقة والتصرف الكلي كما قيل. والمراد من الحشر إليه سبحانه الحشر إلى المكان الذي جعله عز وجل محلاً لاجتماعهم وللقضاء عليهم فلا تصلح الآية دليلاً للمجسمة.

/وقوله سبحانه: { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } في حيز النصب على الحالية من ضمير { يُحْشَرُواْ } والعامل فيه فعله. ونقل الإمام عن الزجاج أنه حال من ضمير { يَخَافُونَ } والأول أولى. «و { مِن دُونِهِ } متعلق بمحذوف وقع حالاً من اسم (ليس) لأنه في الأصل صفة له فلما قدم عليه انتصب على الحالية، والحال الأولى لإخراج الحشر الذي لم يقيد بها عن حيز الخوف وتحقيق أن ما نيط به الخوف [هو الحشر على] تلك الحالة لا الحشر كيفما كان ضرورة أن المعترفين به الجازمين بنصرة غيره تعالى بمنزلة المنكرين له في عدم الخوف الذي يدور عليه أمر الإنذار والحال الثانية لتحقيق مدار خوفهم وهو فقدان ما علقوا به رجاءهم وذلك إنما هو [ولاية] غيره سبحانه كما في قوله جل شأنه: { { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى ٱلأَرْضَ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } [الأحقاف: 32] وليست لإخراج الولي الذي لم يقيد بها عن حيز الانتفاء لاستلزامه ثبوت ولايته تعالى لهم كما في قوله سبحانه: { { وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } [البقرة: 107] وذلك فاسد. والمعنى أنذر به الذين يخافون حشرهم غير منصورين من جهة أنصارهم بزعمهم قاله شيخ الإسلام، ثم قال: ومن هذا اتضح أن لا سبيل إلى كون المراد بالخائفين المفرطين من المؤمنين إذ ليس لهم ولي ولا شفيع سواه عز وجل ليخافوا الحشر بدون نصرته وإنما الذي يخافونه الحشر بدون نصرته سبحانه» انتهى. وهو تحقيق لم أره لغيره ويصغر لديه ما في «التفسير الكبير»، ولعل ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم لم يثبت عنهما فتدبر.

{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو على هذا تعليل للأمر بالإنذار، وجوز أن يكون حالاً عن ضمير الأمر أي أنذرهم راجياً تقواهم أو من الموصول أي أنذرهم مرجواً منهم التقوى.