التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ
٨٩
-الأنعام

روح المعاني

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المذكورين من الأنبياء الثمانية عشر والمعطوفين عليهم عليهم السلام باعتبار اتصافهم بما ذكر من الهداية وغيرها من النعوت الجليلة كما قيل. واقتصر الإمام على المذكورين من الأنبياء، وعن ابن بشير قال: سمعت رجلاً سأل الحسن عن (أولئك) فقال له: من في صدر الآية. وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنسه. والمراد بإيتائه التفهيم التام لما فيه من الحقائق والتمكين من الإحاطة بالجلائل والدقائق أعم من أن يكون ذلك بالإنزال ابتداء وبالإيراث بقاء فإن ممن ذكر من لم ينزل عليه كتاب معين. { وَٱلْحُكْمَ } أي فصل الأمر بين الناس بالحق أو الحكمة وهي معرفة حقائق الأشياء { وَٱلنُّبُوَّةَ } فسرها بعضهم بالرسالة وعلل بأن المذكورين هنا رسل لكن في «المحاكمات» لمولانا أحمد بن حيدر الصفوي أن داود عليه السلام ليس برسول وإن كان له كتاب ولم أجد في ذلك نصاً. وذهب بعضهم إلى أن يوسف بن يعقوب عليه السلام ليس برسول أيضاً، ويوسف في قوله تعالى: { { وَلَقَدْ جَاءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } [غافر: 34] ليس هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام وإنما هو يوسف بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب وهو غريب. وأغرب منه القول بأنه كان من الجن رسولاً إليهم. وقال الشهاب: قد يقال إنما ذكر الأعم في النظم الكريم لأن بعض من دخل في عموم { آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [الأنعام: 87] ليسوا برسل.

{ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } أي بهذه الثلاثة أو بالنبوة الجامعة للباقين { هَـؤُلاء } أي أهل مكة كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة مع دلالة الإشارة والمقام على ما قيل. وقيل: المراد بهم الكفار الذين جحدوا بنبوته صلى الله عليه وسلم / مطلقاً، وأياً ما كان فكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من القرآن يستلزم كفرهم بما يصدقه جميعاً. وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة.

{ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا } أي أمرنا برعايتها ووفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها { قَوْماً } فخاماً { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } في وقت من الأوقات بل مستمرون على الإيمان بها. والمراد بهم على ما أخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعبد بن حميد عن سعيد بن المسيب أهل المدينة من الأنصار. وقيل: أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، وقيل: كل مؤمن من بني آدم عليه السلام. وقيل: الفرس فإن كلاً من هؤلاء الطوائف موفقون للإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة إليهم عاملون بما فيها من أصول الشرائع وفروعها الباقية في شريعتنا. وعن قتادة أنهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورون وعليه يكون المراد بالتوكيل الأمر بما هو أعم من إجراء أحكامها كما هو شأنهم في حق كتابهم ومن اعتقاد حقيتها كما هو شأنهم في حق سائر الكتب التي (نور فرقها) القرآن، ورجح واختار هذا الزجاج ورجحه الزمخشري بوجهين، الأول: أن الآية التي بعد إشارة إلى الأنبياء المذكورين عليهم السلام فإن لم يكن الموكلون هم لزم الفصل بالأجنبـي. الثاني: أنه مرتب بالفاء على ما قبله فيقتضي ذلك. واستبعده بعضهم فإن الظاهر كون مصدق النبوة ومنكرها مغايراً لمن أوتيها.

وأخرج ابن حميد وغيره عن أبـي رجاء العطاردي أنهم الملائكة فالتوكيل حينئذ هو الأمر بإنزالها وحفظها واعتقاد حقيتها، واستبعده الإمام لأن القوم قلما يقع على غير بني آدم، وأياً ما كان فتنوين { قَوْماً } للتفخيم كما أشرنا إليه. وهو مفعول { وَكَّلْنَا } و { بِهَا } قبله متعلق بما عنده، وتقديمه على المفعول الصريح لما مر ولأن فيه طولاً ربما يؤدي تقديمه إلى الإخلال بتجاوب النظم الكريم أو إلى الفصل بين الصفة والموصوف. والباء التي بعد صلة لكافرين قدمت محافظة على الفواصل والتي بعدها لتأكيد النفي. وجواب الشرط محذوف يدل عليه جملة { فَقَدْ وَكَّلْنَا } الخ أي فإن يكفر بها هؤلاء فلا اعتداد به أصلاً فقد وفقنا للإيمان قوماً مستمرين على الإيمان بها والعمل بما فيها ففي إيمانهم مندوحة عن إيمان هؤلاء «ومن هذا يعلم أن الأرجح ـ كما قال شيخ الإسلام ـ تفسير القوم بإحدى الطوائف ممن عدا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام إذ بإيمانهم بالقرآن والعمل بأحكامه يتحقق الغنية عن إيمان الكفرة به والعمل بأحكامه ولا كذلك إيمان الأنبياء والملائكة عليهم السلام».