التفاسير

< >
عرض

تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
-الصف

روح المعاني

وقوله تعالى: { تُؤْمنُونَ بالله وَرَسُوله وَتُجَـٰهدُونَ في سَبيل الله بأَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ } استئناف بياني كأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليها: فقيل: { تُؤْمنُونَ } الخ، والمضارع في الموضعين كما قال المبرد وجماعة خبر بمعنى الأمر أي آمنوا وجاهدوا، ويؤيده قراءة عبد الله كذلك، والتعبير به للإيذان بوجوب الامتثال كأن الإيمان والجهاد قد وقعا فأخبر بوقوعهما، والخطاب إذا كان للمؤمنين الخلص فالمراد تثبتون وتدومون على الإيمان أو تجمعون بين الإيمان والجهاد أي بين تكميل النفس وتكميل الغير وإن كان للمؤمنين ظاهراً فالمراد تخلصون الإيمان، وأياً ما كان فلا إشكال في الأمر، وقال الأخفش: { تُؤْمنُونَ } الخ عطف بيان على { تِجَارَةٍ } [الصف: 10]، وتعقب بأنه لا يتخيل إلا على تقدير أن يكون الأصل أن تؤمنوا حتى يتقدر بمصدر، ثم حذف أن فارتفع الفعل كما في قوله:

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

يريد أن أحضر فلما حذف أن ارتفع الفعل وهو قليل، وقال ابن عطية: { تُؤْمنُونَ } فعل مرفوع بتقدير: ذلك أنه تؤمنون، وفيه حذف المبتدأ وأن واسمها وإبقاء خبرها، وذلك على ما قال أبو حيان: لا يجوز. وقرأ زيد بن علي ـ تؤمنوا وتجاهدوا ـ بحذف نون الرفع فيهما على إضمار لام الأمر أي لتؤمنوا وتجاهدوا، أو ولتجاهدوا كما في قوله:

قلت لبواب على بابها تأذن لنا إني من أحمائها

وكذا قوله:

محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا

وجوز الاستئناف، والنون حذفت تخفيفاً كما في قراءة { ساحران يظاهرا } [القصص: 48] وقوله:

ونقري ما شئت أن تنقري قد رفع الفخ فماذا تحذري

وكذا قوله:

أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي

وأنت تعلم أن الحذف شاذ.

{ ذٰلكُمْ } أي ما ذكر من الإيمان والجهاد { خَيْرٌ لَكُمْ } على الإطلاق أو من أموالكم وأنفسكم { إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجهلة لا يعتدّ بأفعالهم حتى توصف بالخيرية، وقيل: أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيراً لكم حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتم أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتخلصون وتفلحون.