التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

روح المعاني

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ الله } / أي نصرة دينه سبحانه وعونة رسوله عليه الصلاة والسلام. وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان ـ أنصاراً لله ـ بالتنوين وهو للتبعيض فالمعنى كونوا بعض أنصاره عز وجل. وقرأ ابن مسعود ـ على ما في «الكشاف» ـ (كونوا أنتم أنصار الله)، وفي «موضح الأهوازي» والكواشي ـ أنتم ـ دون { كُونُوا } { كَمَا قَالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ للْحَوَارَيِّـٰنَ مَنْ أَنْصَارىۤ إلَى الله } أي من جندي متوجهاً إلى نصرة الله تعالى ليطابق قوله سبحانه: { قَالَ الْحَوَاريُّونَ نَحْن أَنْصَارُ الله } وقيل: { إلى } بمعنى مع و { نَحْن أَنْصَارُ الله } بتقدير نحن أنصار نبـي الله فيحصل التطابق، والأول أولى. والإضافة في { أَنْصَارىۤ } إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لأنهما لما اشتركا في نصرة الله عز وجل كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر والإضافة في { أَنْصَارُ الله } إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم ذلك كما قال عيسى، وقال أبو حيان: هو على معنى قلنا لكم كما قال عيسى.

وقال الزمخشري: هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: { مَنْ أَنْصَارىۤ إلَى الله } وخلاصته على ما قيل: إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى، ثم قيل: كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم: كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته، واكتفي بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقد جعلت الآية من الاحتباك، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبـي صلى الله عليه وسلم: { مَنْ أَنْصَارىۤ إلَى الله } كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليه السلام { مَنْ أَنْصَارىۤ إلَى الله } فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر، وهو لا يخلو عن حسن.

و { الْحَوَاريُّونَ } أصفياؤه عليه السلام، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر للاعتناء بشأنهم، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً فَرَّقَهُم ـ على ما في «البحر» ـ عيسى عليه السلام في البلاد، فمنهم من أرسله إلى رومية، ومنهم من أرسله إلى بابل، ومنهم من أرسله إلى أفريقية، ومنهم من أرسله إلى أفسس، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس، ومنهم من أرسله إلى الحجاز، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم، وقد ذكرها السيوطي أيضاً في «الإتقان» فليلتمس ضبط ذلك من مظانه.

واشتقاق الحواريين من الحور ـ وهو البياض ـ وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، وقيل: للبسهم البياض، وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وزعم بعضهم أن ما قيل: من أنهم كانوا قصارين إشارة إلى أنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، وما قيل: من أنهم كانوا صيادين إشارة إلى أنهم كانوا يصطادون نفوس الناس من الحيرة ويقودونهم إلى الحق. وقيل: الحواريون المجاهدون، وفي الحديث "لكل نبـي حواري وحواريـي الزبير" وفسر بالخاصة من الأصحاب والناصر، وقال الأزهري: الذي أخلص ونقي من كل عيب، وعن قتادة إطلاق الحواري على غيره رضي الله تعالى عنه أيضاً، فقد قال: إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبـي وقاص وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

/ { فَئَامَنَتْ طَائفَةٌ مِّنْ بَني إسْرَاءيلَ } أي بعيسى عليه السلام { وَكَفَرَتْ طَائفَةٌ } أخرى. { فَأيَّدْنَا ٱلَّذينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهمْ } وهم الذين كفروا { فأَصْبَحُوا ظَـٰهرينَ } فصاروا غالبين؛ قال زيد بن علي وقتادة: بالحجة والبرهان، وقيل: إن عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء قالت طائفة من قومه: إنه الله سبحانه، وقالت أخرى: إنه ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ رفعه الله عز وجل إليه، وقالت طائفة: إنه عبد الله ورسوله فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث النبـي صلى الله عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرتين، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: اقتتل المؤمنون والكفرة بعد رفعه عليه السلام فظهر المؤمنون على الكفرة بالسيف، والمشهور أن القتال ليس من شريعته عليه السلام، وقيل: المراد فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد عليه الصلاة والسلام وكفرت أخرى به صلى الله عليه وسلم فأيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين، وهو خلاف الظاهر، والله تعالى أعلم.