التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٨
-الصف

روح المعاني

{ يُريدُونَ ليُطْفئُوا نُورَ الله بأفْوَاههمْ } تمثيل لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحالة من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكماً وسخرية بهم كما تقول الناس: هو يطفىء عين الشمس، وذهب بعض الأجلة إلى أن المراد بنور الله دينه تعالى الحق - كما روي عن السدي على سبيل الاستعارة التصريحية، وكذا في قوله سبحانه: { وَاللَّهَ مُتمُّ نُوره } و { متم } تجريد، وفي قوله تعالى: { بأفواههم } تورية، وعن ابن عباس وابن زيد: يريدون إبطال القرآن وتكذيبه بالقول، وقال ابن بحر: يريدون إبطال حجج الله تعالى بتكذيبهم، وقال الضحاك: يريدون هلاك الرسول صلى الله عليه وسلم بالأراجيف، وقيل: يريدون إبطال شأن النبـي صلى الله عليه وسلم وإخفاء ظهوره بكلامهم وأكاذيبهم، فقد روي عن ابن عباس أن الوحي أبطأ أربعين يوماً فقال كعب بن الأشرف: يا معشر يهود أبشروا أطفأ الله تعالى نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم نوره فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت { يريدون } إلى آخره.

وفي { يريدون ليطفئوا } مذاهب: أحدها أن اللام زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها، وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من الإشعار بالإرادة والقصد كما زيدت اللام في: لا أبا لك لتأكيد معنى الإضافة؛ ثانيها أنها غير زائدة للتعليل، ومفعول { يريدون } محذوف أي يريدون الافتراء لأن يطفئوا، ثالثها أن الفعل أعني { يريدون } حال محل المصدر مبتدأ واللام للتعليل والمجرور بها خبر أي إرادتهم كائنة للإطفاء، والكلام نظير ـ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ـ من وجه، رابعها أن اللام مصدرية بمعنى أن من غير تقدير والمصدر مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر، خامسها أن { يريدون } منزل منزلة اللازم لتأويله بيوقعون الإرادة، قيل: وفيه مبالغة لجعل كل إرادة لهم للإطفاء وفيه كلام في «شرح المغني» وغيره.

وقرأ العربيان ونافع وأبو بكر والحسن وطلحة والأعرج وابن محيصن { متم } بالتنوين { نوره } بالنصب على المفعولية لمتم.

{ وَلَوْ كَرهَ الكَـٰفرُونَ } حال من المستكن في { متم } وفيه إشارة إلى أنه عز وجل متم ذلك إرغاماً لهم.