التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
-الجمعة

روح المعاني

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي علموها وكلفوا العمل بما فيها، والتحميل في هذا شائع يلحق بالحقيقة، والمراد بهم اليهود { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أي لم يعملوا بما في تضاعيفها التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } أي كتباً كباراً على ما يشعر به التنكير، وإيثار لفظ السِّفر وما فيه من معنى الكشف من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها. و { يَحْمِلُ } إما حال من ـ الحمار ـ لكونه معرفة لفظاً والعامل فيه معنى المثل، أو صفة له لأن تعريفه ذهني فهو معنى نكرة فيوصف بما توصف به على الأصح. ونسب أبو حيان للمحققين تعين الحالية في مثل ذلك.

ووجه ارتباط الآية بما قبلها تضمنها الإشارة إلى أن ذلك الرسول المبعوث قد بعثه الله تعالى بما نعته به في التوراة وعلى ألسنة أنبياء بني إسرائيل كأنه قيل: هو الذي بعث المبشر به في التوراة المنعوت فيها بالنبـي الأمي المبعوث إلى أمة أميين؛ مثل من جاءه نعته فيها وعلمه ثم لم يؤمن به مثل الحمار.

وفي الآية دليل على سوء حال العالم الذي لا يعمل بعلمه، وتخصيص الحمار بالتشبيه به لأنه كالعلم في الجهل، ومن ذلك قول الشاعر:

ذوامل للأسفار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأوساقه أوراح ما في الغرائر

بناءاً على نقل عن ابن خالويه أن البعير اسم من أسماء الحمار كالجمل البازل.

وقرأ يحيـى بن يعمر وزيد بن علي { حُمّلُواْ } مبنياً للفاعل، وقرأ عبد الله ـ حمار ـ بالتنكير، وقرىء { يَحْمِلُ } بشد الميم مبنياً للمفعول.

{ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا، فحذف المضاف وهو المخصوص بالذم وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز أن يكون { ٱلَّذِينَ } صفة { ٱلْقَوْمِ }، والمخصوص محذوف أي بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله هو، والضمير راجع إلى { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }، وظاهر كلام «الكشاف» أن المخصوص هو { مَثَلُ } المذكور، والفاعل مستتر يفسره تمييز محذوف، والتقدير بئس مثلاً مثل القوم الخ. وتعقب بأن سيبويه نص على أن التمييز الذي يفسر الضمير المستتر في باب نعم لا يجوز حذفه ولو سلم جوازه فهو قليل. وأجيب بأن ذاك تقرير لحاصل المعنى وهو أقرب لاعتبار الوجه الأول، وكان قول ابن عطية التقدير بئس المثل مثل القوم من ذلك الباب، وإلا ففيه حذف الفاعل، وقد قالوا بعدم جوازه إلا في مواضع ليس هذا منها.

{ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } أي الواضعين للتكذيب في موضع التصديق، أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بسبب التكذيب.