التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٩
-المنافقون

روح المعاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي لا يشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها والاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن الاشتغال بذكر الله عز وجل من الصلاة وسائر العبادات المذكرة للمعبود الحق جل شأنه، فذكر الله تعالى مجاز عن مطلق العبادة كما يقتضيه كلام الحسن وجماعة، والعلاقة السببية لأن العبادة سبب لذكره سبحانه وهو المقصود في الحقيقة منها. وفي رواية عن الحسن أن المراد به جميع الفرائض، وقال الضحاك وعطاء: الذكر هنا الصلاة المكتوبة، وقال الكلبـي: الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: القرآن، والعموم أولى، ويفهم كلام «الكشاف» أن المراد بالأموال والأولاد الدنيا، وعبر بهما عنها لكونهما أرغب الأشياء منها قال الله تعالى: { { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [الكهف: 46] فإذا أريد بذكر الله العموم يؤول المعنى إلى لا تشغلنكم الدنيا عن الدين، والمراد بنهي الأموال وما بعدها نهي المخاطبين وإنما وجه إليها للمبالغة لأنها لقوة تسببها للهو وشدة مدخليتها فيه جعلت كأنها لاهية، وقد نهيت عن اللهو، فالأصل لا تلهوا بأموالكم الخ، فالتجوز في الإسناد، وقيل: إنه تجوز بالسبب عن المسبب كقوله تعالى: { { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ } [الأعراف: 2] أي لا تكونوا بحيث تلهيكم أموالكم الخ.

{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي اللهو بها وهو الشغل، وهذا أبلغ مما لو قيل: ومن تلهه تلك { فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني. وفي التعريف بالإشارة والحصر للخسران فيهم، وفي تكرير الإسناد وتوسيط ضمير الفصل ما لا يخفى من المبالغة. وكأنه لما نهي المنافقون عن الإنفاق على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأريد الحث على الإنفاق جعل قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ تمهيداً وتوطئة للأمر بالإنفاق لكن على وجه العموم في قوله سبحانه: { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ }.