التفاسير

< >
عرض

أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
-الملك

روح المعاني

وقوله تعالى: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } إنكار ونفي لعدم إحاطة علمه جل شأنه، و{ مَنْ } فاعل { يَعْلَمُ } أي ألا يعلم السر والجهر من أوجد بموجب حكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها. وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } حال من فاعل { يَعْلَمُ } مؤكدة للإنكار والنفي أي ألا يعلم ذلك والحال أنه تعالى المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن. وقيل حال من فاعل { خَلَقَ } والأول أظهر. وقدر مفعول { يَعْلَمُ } بما سمعت ولم يجعل الفعل من باب يعطي ويمنع لمكان هذه الحال على ما قيل إذ لو قلت ألا يكون عالماً من هو خالق وهو اللطيف الخبير؟ لم يكن معنى صحيحاً لاعتماد { أَلاَ يَعْلَمُ } على الحال والشيء لا يوقت بنفسه فلا يقال ألا يعلم وهو عالم ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم كل شيء.

وأورد عليه أن اللطيف هو العالم بالخفيات فيكون المعنى ألا يكون عالماً وهو عالم بالخفيات وهو مستقيم وأجيب بأن (لا يعلم) من ذلك الباب وهو على ما قرره السكاكي مستغرق في المقام الخطابـي، و(اللطيف الخبير) من يوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن فهما سواء في الاستغراق والإطلاق. وتعقب بأن الاستغراق غير لازم كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [القصص: 23] الآية ولو سلم فالوجه مختلف لأن العموم المستفاد من الثاني ليس العموم المستفاد من الأول فإن اللطف للعلم بالخفايا خاصة ويلزم العلم بالجلايا من طريق الدلالة ثم إن الغزالي اعتبر في مفهوم اللطيف مع العلم بخفايا الأمور سلوك سبيل الرفق في إيصال ما يصلحها فلا يتكرر مع الخبير بناءً على أنه العالم بالخفايا أيضاً والوجه في الحاجة إلى التقدير كما قال بعض الأئمة أن قوله تعالى { أَلاَ يَعْلَمُ } تذييل بعد التعليل بقوله سبحانه { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الملك: 13] فَرْبطُ المعنى أن يقال: ألا يعلم هذا الخفي أعني قولكم المسر به أو ألا يعلم سركم وجهركم من يعلم دقائق الخفايا وجلائلها جملها وتفاصيلها، ولو قيل ألا يكون عالماً بليغ العلم من هو كذا لم يرتبط ولكان فيه عي وقصور. وجوز كون { مَنْ } مفعول { خَلَقَ } واستظهره أبو حيان أي ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله. ورُجِّح الأول بأن فيه إقامة الظاهر مقام الضمير الراجع إلى الرب وهو أدل على المحذوف أعني السر والجهر، وتعميم المخلوق المتناول لهما تناولاً أولياً، ولهذا قدروا من خلق الأشياء دلالة على أن حذف المفعول للتعميم.