التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
-الحاقة

روح المعاني

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } تفصيل لأحكام العرض. والمراد بكتابه ما كتب الملائكة فيه ما فعله في الدنيا. وقد ذكروا أن أعمال كل يوم وليلة تكتب في صحيفة فتتعدد صحف العبد الواحد، فقيل توصل له فيؤتاها موصولة وقيل ينسخ ما في جميعها في صحيفة واحدة، وهذا ما جزم به الغزالي عليه الرحمة، وعلى القولين يصدق على ما يؤتاه العبد كتاب. وقيل إن العبد يكتب في قبره أعماله في كتاب وهو الذي يؤتاه يوم القيامة وهذا قول ضعيف لا يعول عليه وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كيف يؤتى العبد ذلك.

{ فَيَقُولُ } تبجحاً وافتخاراً { هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } قال الرضي: ها اسم لخذ وفيه ثمان لغات الأولى بالألف مفردة ساكنة للواحد والإثنين والجمع، مذكراً كان أو مؤنثاً الثانية أن تلحق هذه الألف المفردة كاف الخطاب الحرفية كما في ذلك وتصرفها نحو هاك هاكما هاكم هاكن الثالثة أن تلحق الألف همزة مكان الكاف وتصريفها تصريف الكاف نحوها هاؤما هاؤم هاء هاؤما هاؤن الرابعة أن تلحق الألف همزة مفتوحة قبل كاف الخطاب وتصرف الكاف الخامسة هأ بهمزة / ساكنة بعد الهاء للكل السادسة أن تصرف هذه الجملة تصريف دع السابعة أن تصرفها تصريف خف ومن ذلك ما حكى الكسائي من قول من قيل له هاء بالفتح الأم إهاء وإهاء بفتح همزة المتكلم وكسرها الثامنة أن تلحق الألف همزة وتصرفها تصريف ناد والثلاثة الأخيرة أفعال غير متصرفة لا مضي لها ولا مضارع وليست بأسماء أفعال قال الجوهري هاء بكسرة الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ وإذا قيل لك هاء بالفتح قلت ما أهاء أي ما آخذ وما أهاء على مالم يسم فاعله أي ما أعطي وهذا الذي قال مبني على السابعة نحو ما أخاف وما أخاف انتهى.

وقال أبو القاسم فيها لغات أجودها ما حكاه سيبويه في «كتابه» فقال العرب تقول هاء يا رجل بفتح الهمزة وهاء يا امرأة بكسرها وهاؤما يا رجلان أو امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة فالميم في هاؤم كالميم في أنتم وضمها كضمها في بعض الأحيان وفسر هٰهنا بخذوا وهو متعد بنفسه إلى المفعول تعديته والمفعول محذوف دل عليه المذكور أعني { كِتَـٰبيَهْ } وهو مفعول { ٱقْرَؤُاْ } واختير هذا دون العكس لأنه لو كان مفعول (هاؤم) لقيل اقرؤه إذ الأولى إضمار الضمير إذا أمكن كما هنا وإنما لم يظهر في الأول لئلا يعود على متأخر لفظاً ورتبة وهو منصوب مع أن العامل على اللغة الجيدة اسم فعل فلا يتصل به الضمير.

وقيل { هَاؤُمُ } بمعنى تعالوا فيتعدى بإلى وزعم القتبـي أن الهمزة بدل من الكاف قيل وهو ضعيف إلا إن كان قد عنى أنها تحل محلها في لغة كما سمعت فيمكن لا أنه بدل صناعي لأن الكاف لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها.

وقيل { هَاؤُمُ } كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط "وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام ناداه أعرابـي بصوت عال فجاوبه صلى الله عليه وسلم هاؤم" بصولة صوته وجوز إرادة هذا المعنى هنا فإنه يحتمل أن ينادي ذلك المؤتى كتابه بيمينه أقرباؤه وأصحابه مثلاً ليقرؤا كتابه فيجيبهم لمزيد فرحه ونشاطه بقوله { هَاؤُمُ } وزعم قوم أنها مركبة في الأصل ها أَمُوا أي اقصدوا ثم نقله التخفيف والاستعمال إلى ما ذكر. وزعم آخرون أن الميم ضمير جماعة الذكور.

والهاء في { كِتَـٰبيَهْ } وكذا في { حِسَابِيَهْ } [الحاقة: 20] و{ مَالِيَهْ } [الحاقة: 28] و{ سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة: 29] وكذا { مَا هِيَهْ } في القارعة [10] للسكت لا ضمير غيبة فحقها أن تحذف وصلاً وتثبت وقفاً لتصان حركة الموقوف عليه فإذا وصل استغنى عنها، ومنهم من أثبتها في الوصل لإجرائه مجرى الوقف أو لأنه وصل بنية الوقف والقراآت مختلفة فقرأ الجمهور بإثباتها وصلاً ووقفاً قال الزمخشري اتباعاً للمصحف الإمام وتعقبه ابن المنير فقال تقليل القراءة باتباع المصحف عجيب مع أن المعتقد الحق أن القراآت بتفاصيلها منقولة عن النبـي صلى الله عليه وسلم وأطال في التشنيع عليه وهو كما قال. وقرأ ابن محيصن بحذفها وصلاً ووقفاً وإسكان الياء فيما ذكر ولم ينقل ذلك في { مَا هِيَهْ } فيما وقفت عليه وابن أبـي إسحٰق والأعمش بطرح الهاء فيهن في الوصل لا في الوقف وطرحها حمزة في مالي وسلطاني وما هي في الوصل لا في الوقف وفتح الياء فيهن وما قاله الزهراوي من أن إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عند أحد علمته ليس بشيء فإن ذلك متواتر فوجب قبوله.