التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٢٩
-الأعراف

روح المعاني

{ قَالُواْ } أي قوم موسى له عليه السلام { أُوذِينَا } من جهة فرعون { مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا } بالرسالة يعنون بذلك قتل الجبار أولادهم قبل مولده وبعده إذ قيل له: يولد لبني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويكون هلاكك على يديه { وَمِنْ بَعْدَمَا جِئْتَنَا } أي رسولاً يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والعذاب، وقيل: إن نفس ذلك الإيعاد إيذاء، وقيل: جعل إيعاده بمنزلة فعله لكونه جباراً. وقيل: أرادوا الإيذاء بقتل الأبناء قبل مولد موسى عليه السلام وبعد مولده، وقيل: المراد ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن، وتعقب بأن ذلك ليس مما يلحقهم بواسطة موسى عليه السلام فليس لذكره كثير ملاءمة بالمقام، والظاهر أنه لا فرق بين الإتيان والمجيء وإن الجمع بينهما للتفنن والبعد عن التكرار اللفظي فإن الطباع مجبولة على معاداة المعادات، ولذلك جيء بأن المصدرية أولاً وبما أختها ثانياً. وذكر الجلال السيوطي في الفرق بينهما أن الإتيان يستعمل في المعاني والأزمان والمجيء في الجواهر والأعيان وهو غير ظاهر هنا إلا أن يتكلف، ونقل عن الراغب في الفرق بينهما أن الإتيان هو المجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء وهو كسابقه هنا أيضاً، وهذا منهم جار مجرى التحزن لعدم الاكتفاء بما كنى لهم عليه السلام لفرط ما عراهم وفظاعة ما اعتراهم، والمقام يقتضي الإطناب فإن شأن الحزين الشاكي إطالة الكلام رجاء أن يطفىء بذلك بعض الأوام، وقيل: هو استبطاء منهم لما وعدهم عليه السلام أن النجاة والظفر والأول أولى فقوله تعالى:

{ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بما توعد. { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ } أي يجعلكم خلفاء { فِى ٱلأَرْضِ } أي أرض مصر تريح بما كنى عنه وتوكيد للتسلية على أبلغ وجه، وفيه إدماج معنى من عادى أولياء الله تعالى فقد بارزه بالمحاربة وحق له الدمار والخسار. و { عَسَىٰ } في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب، ونص غير واحد على التعبير به للجري على سنن الكرماء. وقيل: تأدباً مع الله تعالى وإن كان الأمر مجزوماً به بوحي وإعلام منه سبحانه وتعالى، وقيل: إن ذلك لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم، فقد روي أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام. وتعقب بأنه لا يساعده قوله تعالى: { { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا } [الأعراف: 137] فإن المتبادر استخلاف المستضعفين أنفسهم لا استخلاف أولادهم، والمجاز خلاف الأصل. نعم المشهور أن بني إسرائيل بعد أن خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر لم يرجعوا إليها في حياته، وفي قوله سبحانه: { فَيَنظُرَ } أي يرى أو يعلم { كَيْفَ تَعْمَلُونَ } أحسناً أم قبيحاً فيجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال إرشاد لهم / إلى الشكر وتحذير لهم عن الوقوع في مهاوي الكفر، وقيل: فيه إشارة إلى ما وقع منهم بعد ذلك.