التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
١٨٤
-الأعراف

روح المعاني

{ أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ } فالهمزة للإنكار والتوبيخ، والواو للعطف على مقدر يستدعيه السياق والسباق، والخلاف في مثل هذا التركيب مشهور وقد تقدمت الإشارة إليه. و { مَا } قال أبو البقاء: تحتمل أن تكون استفهامية إنكارية في محل الرفع بالابتداء والخبر { بِصَاحِبِهِم } وأن تكون نافية اسمها { جَنَّةُ } وخبرها { بِصَاحِبِهِم }. وجوز أن تكون موصولة، وفيه بعد. والجنة مصدر كالجلسة بمعنى الجنون، وليس المراد به الجن كما في قوله تعالى: { { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [هود: 911] لأنه يحتاج إلى تقدير مضاف أي مس جنة أو تخبطها، والتنكير للتقليل والتحقير، والتفكر التأمل وإعمال الخاطر في الأمر، وهو من أفعال القلوب فحكمه حكمها في أمر التعليق، ومحل الجملة على الوجهين النصب على نزع الخافض، ومحل الموصول نصب على ذلك في الوجه الأخير، أي أكذبوا ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائن بصاحبهم الذي هو أعظم الهادين للحق وعليه أنزلت الآيات، أو في أنه ليس بصاحبهم شيء من جنة حتى يؤديهم التفكر في ذلك إلى الوقوف / على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات أو في الذي بصاحبهم من جنة بزعمهم ليعلموا أن ذلك ليس من الجنة في شيء فيؤمنوا، واختار الطبرسي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ } أي أكذبوا ولم يتفكروا في أقواله وأفعاله أو أولم يفعلوا التفكر، ثم ابتدىء فقيل: أي شيء بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت، أو قيل: ليس بصاحبهم شيء منها. والمراد بصاحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك لتأكيد النكير وتشديده لأن الصحبة مما يطلعهم على نزاهته صلى الله عليه وسلم عن شائبة مما ذكر، والتعرض لنفي الجنون عنه عليه الصلاة والسلام مع وضوح استحالة ثبوته له لما أن التكلم بما هو خارق لا يصدر إلا عمن به مس من الجنة كيفما اتفق من غير أن يكون له أصل أو عمن له تأييد إلهي يخبر به عن الغيوب، وإذ ليس به عليه الصلاة والسلام شيء من الأول تعين الثاني. وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبـي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا فدعا قريشاً فخذاً فخذاً يا بني فلان يحذرهم بأس الله تعالى ووقائعه إلى الصباح حتى قال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت حتى أصبح فانزل الله تعالى الآية، وعليه فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء عند من له أدنى عقل، والتعبير بصاحبهم وارد على مشاكلة كلامهم مع ما فيه من النكتة السالفة. وذكر بعضهم في سبب النزول أنهم كانوا إذا رأوا ما يعرض له صلى الله عليه وسلم من برحاء الوحي قالوا: جن فنزلت.

{ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تقرير لما قبله وتكذيب لهم فيما يزعمونه حيث تبين فيه حقيقة حاله صلى الله عليه وسلم أي ما هو عليه الصلاة والسلام إلا مبالغ في الإنذار مظهر له غاية الإظهار، ثم لما كان أمر النبوة مفرعاً على التوحيد ذكر سبحانه ما يدل عليه فقال جل شأنه: { أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ... }.