التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٢٤
-الأعراف

روح المعاني

{ قَالَ } استئناف كما مر مراراً { ٱهْبِطُواْ } المأثور عن كثير من السلف أنه خطاب لآدم وحواء عليهما السلام وإبليس عليه اللعنة، وكرر الأمر له تبعاً لهما إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا أو أن الأمر وقع مفرقاً وهذا نقل له بالمعنى وإجمال له كما في قوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ } [المؤمنون: 51] وقيل: إن الأمر بالنسبة إلى اللعين غير ما تقدم فإنه أمر له بالهبوط من حيث وسوس. واختار الفراء كونه خطاباً لهما ولذريتهما وفيه خطاب المعدوم، وقيل: إنه لهما فقط لقوله سبحانه: { { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه: 123] والقصة واحدة، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم. ومن الناس من قال: إن مختار الفراء هو هذا، وقيل: إنه لهما ولابليس والحية. واعترض وأجيب بما مر في سورة البقرة، والظاهر من النظم الكريم أن آدم عليه السلام عاجله ربه سبحانه بالعتاب والتوبيخ على فعله ولم يتخلل هناك شيء، ونقل الأجهوري عن حجة الإسلام الغزالي أنه عليه السلام لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الفضلة ولم يكن ذلك مجعولاً في الجنة في شيء من أطعمتها إلا في تلك الشجرة فلذلك نهي عن أكلها فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكاً يخاطبه فقال له: أي شيء تريد يا آدم؟ قال: أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقال له: في أي مكان تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم في الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى هٰهنا مكاناً يصلح لذلك؟ ثم أمره بالهبوط وأنا لا أرى لهذا الخبر صحة، ومثله ما روي عن محمد بن قيس قال: إنه عليه السلام لما أكل من الشجرة ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء فقال سبحانه: يا حواء لم أطعمتيه؟ قالت أمرتني الحية فقال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس فقال الله تعالى: أما أنت يا حواء فلأُدْمِينَّك كل شهر كما أدميت الشجرة. وأما أنت يا حية فأقطع رجليك فتمشين على وجهك وسيشدخ وجهك كل من لقيك. وأما أنت يا إبليس فملعون.

{ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في موضع الحال من فاعل { ٱهْبِطُواْ } وهي حال مقارنة أو مقدرة، واختار بعض المعربين كون الجملة استئنافية كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟ فأجيبوا بأن بعضكم لبعض عدو، وأمر العداوة على تقدير دخول الشيطان في الخطاب ظاهر، وأما على تقدير التخصيص بآدم وحواء عليهما السلام فقد قيل: إنه باعتبار أن يراد بهما ذريتهما إما بالتجوز كإطلاق تميم على أولاده كلهم أو يكتفي بذكرهما عنهم، واختار بعضهم كون العداوة هنا بمعنى الظلم أي: يظلم بعضكم بعضاً بسبب تضليل الشيطان فليفهم.

{ وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } أي استقرار أو موضع استقرار فهو إما مصدر ميمي أو اسم مكان. وجوز أن يكون اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وجاز تصرفكم فيه. ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ومحتاج إلى الحذف والإيصال، واللفظ في نفسه يحتمل أن يكون اسم زمان إلا أنه غير محتمل هنا لأنه يتكرر مع قوله سبحانه: { وَمَتَـٰعٌ } أي بلغة { إِلَىٰ حِينٍ } يريد به وقت الموت، وقيل: القيامة وتجعل السكنى في القبر تمتعاً في الأرض أو يقال: معنى { لَكُمْ } لجنسكم ولمجموعكم، والظرف قيل: متعلق بمتاع أو به وبمستقر على التنازع إن كان / مصدراً. وقيل: إنه متعلق بمحذوف وقع صفة لمتاع.