التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٦٥
-الأعراف

روح المعاني

{ وَإِلَىٰ عَادٍ } متعلق بمضمر معطوف على { { أَرْسَلْنَا } [الأعراف: 59] فيما سبق وهو الناصب لقوله تعالى: { أَخَـٰهُمْ } أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم، وقيل: لا إضمار والمجموع معطوف على المجموع السابق والعامل الفعل المتقدم. وغير الأسلوب لأجل ضمير { أَخَـٰهُمْ } إذ لو أتى به على سنن الأول عاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. وعاد في الأصل اسم لأبـي القبيلة ثم سميت به القبيلة أو الحي فيجوز فيه الصرف وعدمه كما ذكره سيبويه، وقوله تعالى: { هُودًا } بدل من { أَخَـٰهُمْ } أو عطف بيان له واشتهر أنه اسم عربـي، وظاهر كلام سيبويه أنه أعجمي وأيد بما قيل: إن أول العرب يعرب وهو هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح وعليه محمد بن إسحاق. وبعض القائلين بهذا قالوا: إن نوحاً ابن عم أبـي عاد، وقيل: ابن عوص بن أرم بن سام بن نوح، وقيل: ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام. ومعنى كونه عليه السلام أخاهم أنه منهم نسباً وهو قول الكثير من النسابين. ومن لا يقول به يقول: إن المراد صاحبهم وواحد في جملتهم وهو كما يقال يا أخا العرب. وحكمة كون النبـي يبعث إلى القوم منهم أنهم أفهم لقوله من قول غيره وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله.

{ قَالَ } استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال لهم حين أرسل إليهم؟ فقيل: قال الخ. ولم يؤت بالفاء كما أتى بها في قصة نوح لأن نوحاً كان مواظباً على دعوة قومه غير مؤخر لجواب شبهتهم لحظة واحدة وهود عليه السلام لم يكن مبالغاً إلى هذا الحد فلذا جاء التعقيب في كلام نوح ولم يجىء هنا. وذكر صاحب «الفرائد» في التفرقة بين القصتين أن قصة نوح عليه السلام ابتداء كلام فالسؤال غير مقتضي الحال وأما قصة هود فكانت معطوفة على قصة نوح فيمكن أن يقع في خاطر السامع أقال هود ما قال نوح أم قال غيره؟ فكان مظنة أن يسئل ماذا قال لقومه؟ فقيل: قال الخ. وقيل: اختير الفصل هنا لإرادة استقلال كل من الجمل في معناه حيث أن كفر هؤلاء أعظم من كفر قوم نوح من حيث إنهم علموا ما فعل الله تعالى بالكافرين وأصروا وقوم نوح لم يعلموا. ويدل على علمهم بذلك ما سيأتي في ضمن الآيات وفيه نظر. / { يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحده كما يدل عليه قوله تعالى: { مَالَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } فإنه استئناف جار مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليل لها أو للأمر كأنه قيل: خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئاً إذ ليس لكم إلٰه سواه. وقرىء { غَيْرِ } بالحركات الثلاث كالذي قبل.

{ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } إنكار واستبعاد لعدم اتقائهم عذاب الله تعالى بعد ما علموا ما حل بقوم نوح عليه السلام، وقيل: الاستفهام للتقرير والفاء للعطف، وقد تقدم الكلام فيه آنفاً وفي سورة هود [15] { { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } «ولعله عليه السلام ـ كما قال شيخ الإسلام ـ خاطبهم بكل منهما و [قد] اكتفى بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر كما لم يذكر هٰهنا ما ذكر هناك من قوله: { { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } [هود: 50] وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من أجزاء القصة بل حال نظائره في سائر القصص لا سيما في المحاورات الجارية في الأوقات المتعددة». وقال غير واحد: إنما قيل هٰهنا: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } وفيما تقدم من مخاطبة نوح عليه السلام قومه { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الأعراف: 59] لأن هؤلاء قد علموا بما حل بغيرهم من نظرائهم ولم يكن قبل واقعة قوم نوح عليه السلام واقعة، وقيل: لأن هؤلاء كانوا أقرب إلى الحق وإجابة الدعوة من قوم نوح عليه السلام وهذا دون { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ } الخ في التخويف، ويرشد إلى ذلك ما تقدم مع قوله تعالى: { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ .... }.