التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٨٢
-الأعراف

روح المعاني

{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } أي المستكبرين منهم المتصدين للعقد والحل { إِلاَّ أَن قَالُواْ } استثناء مفرغ من أعم الأشياء أي ما كان / جوابهم شيء من الأشياء إلا قولهم أي لبعضهم الآخرين المباشرين للأمور أو ما كان جواب قومه الذين خاطبهم بما خاطبهم شيء من الأشياء إلا قول بعضهم لبعض معرضين عن مخاطبته عليه السلام { أَخْرِجُوهُم } أي لوطاً ومن معه { مّن قَرْيَتِكُمْ } أي بلدتكم التي أجمعتم فيها وسكنتم بها. والنظم الكريم من قبيل:

تحية بينهم ضرب وجيع

والقصد منه نفي الجواب على أبلغ وجه لأن ما ذكر في حيز الاستثناء لا تعلق له بكلامه عليه السلام من إنكار الفاحشة وتعظيم أمرها ووسمهم بما هو أصل الشر كله، ولو قيل: وقالوا أخرجوهم لم يكن بهذه المثابة من الإفادة.

وقوله سبحانه: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } تعليل للأمر بالإخراج. ومقصود الأشقياء بهذا الوصف السخرية بلوط ومن معه وبتطهرهم من الفواحش وتباعدهم عنها وتنزههم عما في المحاش والافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أخرجوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد. وقرىء برفع { جَوَابَ } على أنه اسم كان، و { إِلاَّ أَن قَالُواْ } الخ خبر قيل: وهو أظهر وإن كان الأول أقوى في الصناعة لأن الأعرف أحق بالاسمية. وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر. وأياً ما كان فليس المراد أنهم لم يصدر عنهم في مقابلة كلام لوط عليه السلام ومواعظه إلا هذه المقالة الباطلة كما ينساق إلى الذهن بل إنه لم يصدر عنهم في المرة الأخيرة من مرات المحاورات الجارية بينه عليه السلام وبينهم إلا هذه الكلمة الشنيعة، وإلا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات كما حكى عنهم في غير موضع من الكتاب الكريم؛ وكذا يقال في نظائره، قيل: وإنما جيء بالواو في { وَمَا كَانَ } الخ دون الفاء كما في النمل [65] والعنكبوت [42] لوقوع الاسم قبل هنا والفعل هناك والتعقيب بالفعل بعد الفعل حسن دون التعقيب به بعد الاسم وفيه تأمل. ولعل ذكر { أَخْرِجُوهُم } هنا و { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ } في النمل [56] إشارة إلى أنهم قالوا مرة هذا وأخرى ذاك أو أن بعضاً قال كذا وآخر قال كذا. وقال النيسابوري: إنما جاء في النمل { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ } ليكون تفسيراً لهذه الكناية، وقيل: إن تلك السورة نزلت قبل الأعراف وقد صرح في الأولى، وكنى في الثانية اهـ. ولعل ما ذكرناه أولى فتأمل.