التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
-الأعراف

روح المعاني

وقوله سبحانه: { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ } تقدم الكلام على / نظيره، بيد أن هذا القول يحتمل أن يكون تأنيباً وتوبيخاً لهم وقوله سبحانه: { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } إنكار لمضمونه، أي لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بكم فلم تسمعوا قولي ولم تصدقوني { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ } أي لا آسى عليكم لأنكم لستم أحقاء بالأسى وهو الحزن كما في «الصحاح والقاموس» أو شدة الحزن كما في «الكشاف» و «مجمع البيان»، ويحتمل أن يكون تأسفاً بهم لشدة حزنه عليهم، وقوله سبحانه: { فَكَيْفَ } الخ إنكار على نفسه لذلك، وفيه تجريد والتفات على ما قيل حيث جرد عليه السلام من نفسه شخصاً وأنكر عليه حزنه على قوم لا يستحقونه والتفت على الخطاب إلى التكلم، وذكر بعض المحققين أن الظاهر أنه ليس من الالتفات والتجريد في شيء فإن { قَالَ } يقتضي صيغة التكلم وهي تنافي التجريد، وإنما هو نوع من البديع يسمى الرجوع وهو العود على الكلام السابق بالنقض لأنه إذا كان قد أبلغتكم تأسفاً ينافي ما بعده فكأنه بدا له ورجع عن التأسف منكراً لفعله الأول، وقد جاء ذلك كثيراً في كلامهم ومن ذلك قول زهير:

قف بالديار التي لم تعفها القدم بلى وغيرها الأرواح والديم

والنكتة فيه الإشعار بالتوله والذهول من شدة الحيرة لعظم الأمر بحيث لا يفرق بين ما هو كالمتناقض من الكلام وغيره، وابن حِجَّة لا يفرق بين هذا النوع ونوع السلب والإيجاب وكأن منشأ ذلك اعتماده في النوع الأخير على تعريف أبـي هلال العسكري له ولو اعتمد على تعريف إمام الصناعة ابن أبـي الأصبع لما اشتبه عليه الفرق، وعلى الاحتمالين في قوله سبحانه: { عَلَىٰ قَوْمٍ } الخ إقامة الظاهر مقام الضمير للإشعار بعدم استحقاقهم التأسف عليهم لكفرهم، وقرأ يحيـى بن وثاب { فكيف إيسي } بكسر الهمزة وقلب الألف ياء على لغة من يكسر حرف المضارعة كقوله:

قعيدك أن لا تسمعيني ملامة ولا تنكئي جرح الفؤاد فييجعا

وإمالة الألف الثانية، هذا ثم إن شعيباً عليه السلام بعد هلاك من أرسل إليهم نزل مع المؤمنين به بمكة حتى ماتوا هناك وقبورهم على ما روي عن وهب بن منبه في غربـي الكعبة بين دار الندوة وباب سهم. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام أما قبر إسماعيل ففي الحجر وأما قبر شعيب فمقابل الحجر الأسود، وروي عنه أيضاً أنه عليه السلام كان يقرأ الكتب التي كان الله تعالى أنزلها على إبراهيم عليه السلام، ومن الغريب ما نقل الشهاب أن شعيباً اثنان وأن صهر موسى عليهما الصلاة والسلام من قبيلة من العرب تسمى عنزة وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وبينه وبين من تقدم دهر طويل فتبصر والله تعالى أعلم.