التفاسير

< >
عرض

سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
١
-المعارج

روح المعاني

أي دعا داع به فالسؤال بمعنى الدعاء ولذا عدي بالباء تعديته بها في قوله تعالى: { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَـٰكِهَةٍ } [الدخان: 55] والمراد استدعاء العذاب وطلبه وليس من التضمين في شيء، وقيل الفعل مضمن معنى الاهتمام والاعتناء أو هو مجاز عن ذلك فلذا عدي بالباء، وقيل إن الباء زائدة وقيل إنها بمعنى عن كما في قوله تعالى: { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان: 59] والسائل هو النضر بن الحرث كما روى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس وروي ذلك عن ابن جريج والسدي والجمهور حيث قال إنكاراً واستهزاءً { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] وقيل هو أبو جهل حيث قال { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الشعراء: 187] وقيل هو الحرث بن النعمان الفهري وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي كرم الله تعالى وجهه «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال اللهم إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته. وأنت تعلم أن ذلك القول منه عليه الصلاة والسلام في أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه كان في غدير خم وذلك في أواخر سني الهجرة فلا يكون ما نزل مكياً على المشهور في تفسيره وقد سمعت ما قيل في مكية هذه السورة. وقيل هو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل عذابهم وقيل هو نوح عليه السلام سأل عذاب قومه.

وقرأ نافع وابن عامر (سال) بألف كقال (سايل) بياء بعد الألف فقيل يجوز أن يكون قد أبدلت همزة الفعل ألفاً وهو بدل على غير قياس وإنما قياس هذا بين بين ويجوز أن يكون على لغة من قال سلت أسال حكاها سيبويه. وفي «الكشاف» هو من السؤال وهو لغة قريش يقولون سلت تسال وهم يتسايلان وأراد أنه من السؤال المهموز معنى لاشتقاقاً بدليل وهما يتسايلان وفيه دلالة على أنه أجوف يائي وليس من تخفيف الهمزة في شيء. وقيل السوال بالواو الصريحة مع ضم السين وكسرها وقوله يتسايلان صوابه يتساولان فتكون ألفه منقلبة عن واو كما في قال وخاف وهو الذي ذهب إليه أبو علي في «الحجة» وذكر فيها أن أبا عثمان حكى عن أبـي زيد أنه سمع من / العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش تردداً والظاهر خلاف ذلك وأنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلاً لما سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا:

سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما قالت ولم تصب

وقول آخر:

سالتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر

وجوز أن يكون سال من السيلان وأيد بقراءة ابن عباس (سال سيل) فقد قال ابن جني السيل هٰهنا الماء السائل وأصله المصدر من قولك سال الماء سيلاً إلا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى: { { إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } [الملك: 30] أي غائراً وقد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل المعنى اندفع واد بعذاب واقع والتعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقق وقوع العذاب إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر وقد قتل يومئذٍ النضر وأبو جهل واما في الآخرة وهو عذاب النار وعن زيد بن ثابت أن سائلاً اسم واد في جهنم وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله.