التفاسير

< >
عرض

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً
٧
-نوح

روح المعاني

{ وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } أي إلى الإيمان، فمتعلق الفعل محذوف، وجوز جعله منزلاً منزلة اللازم. والجملة عطف على ما قبلها وليس ذلك من عطف المفصل على المجمل كما توهم حتى يقال إن الواو من الحكاية لا من المحكي { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } أي بسبب الإيمان { جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءاذٰنِهِمْ } / أي سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة فهو كناية عما ذكر ولا منع من الحمل على الحقيقة. وفي نسبة الجعل إلى الأصابع وهو منسوب إلى بعضها وإيثار الجعل على الإدخال ما لا يخفى { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } أي بالغوا في التغطي بها كأنهم طلبوا من ثيابهم أن تغشاهم لئلا يروه كراهة النظر إليه من فرط كرهة الدعوة، ففي التعبير بصيغة الاستفعال ما لا يخفى من المبالغة وكذا في تعميم آلة الإبصار وغيرها من البدن بالستر مبالغة في إظهار الكراهة، ففي الآية مبالغة بحسب الكيف والكم. وقيل بالغوا في ذلك لئلا يعرفهم عليه السلام فيدعوهم وفيه ضعف فإنه قيل عليه إنه يأباه ترتبه على قوله { كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } اللهم إلا أن يجعل مجازاً عن إرادة الدعوة وهو تعكيس للأمر وتخريب للنظم.

{ وَأَصَرُّواْ } أي أكبوا على الكفر والمعاصي وانهمكوا وجدوا فيها، مستعار من أصر الحمار على العانة إذا أصر أذنيه أي رفعهما ونصبهما مستويين وأقبل عليها يكدمها ويطردها، وفي ذلك غاية الذم لهم. وعن جار الله لو لم يكن في ارتكاب المعاصي إلا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة كيف والتشبيه في أسوء أحواله وهو حال الكدم والسفاد. وما ذكر من الاستعارة قيل في أصل اللغة وقد صار الإصرار حقيقة عرفية في الملازمة والانهماك في الأمر. وقال الراغب ((الإصرار التعقد في الذنب والتشديد فيه والامتناع من الإقلاع عنه وأصله من الصر أي الشد)) ولعله لا يأبـى ما تقدم بناء على أن الأصل الأول الشد والأصل الثاني ما سمعت أولاً.

{ وَٱسْتَكْبَرُواْ } من اتباعي وطاعتي { ٱسْتِكْبَاراً } عظيماً وقيل نوعاً من الاستكبار غير معهود. والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق له.