وقوله تعالى: { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ شِيباً } مراتب على الإرسال، فالعصيان و{ يَوْماً } مفعول به لتتقون ما بتقدير مضاف أي عذاب أو هول يوم أبو بدونه إلا أن المعنى عليه وضمير { يَجْعَلُ } لليوم والجملة صفته والإسناد مجازي. وقال بعض الضمير لله تعالى والإسناد حقيقي والجملة صفة محذوفة الرابط أي يجعل فيه كما في قوله / تعالى:
{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ } [البقرة: 48] وكان ظاهر الترتيب أن يقدم على قوله تعالى: { كَمَآ أَرْسَلْنَآ } [المزمل: 15] إلا أنه أخر إلى هنا زيادة على زيادة في التهويل فكأنه قيل هبوا أنكم لا تؤخذون في الدنيا أخذة فرعون وأضرابه فكيف تقون أنفسكم هول القيامة وما أعد لكم من الأنكال إن دمتم على ما أنتم عليه ومتم في الكفر وفي قوله سبحانه { إِن كَفَرْتُمْ } وتقديره تقدير مشكوك في وجوده ما ينبه على أنه لا ينبغي أن يبقى مع إرسال هذا الرسول لأحد شبهة تقيه في الكفر فهو النور المبين. وجوز أن يكون { يَوْماً } ظرفاً لتتقون على معنى فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا والكلام حينئذٍ للحث على الإقلاع من الكفر والتحذير عن مثل عاقبة آل فرعون قبل أن لا ينفع الندم. وجوز أيضاً أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم والمعنى فكيف يرجى إقلاعكم عن الكفر واتقاء الله تعالى وخشيته وأنتم جاحدون يوم الجزاء كأنه لما قيل { يَوْمَ تَرْجُفُ } [المزمل: 14] عقب بقوله تعالى فكيف تتقون الله إن كفرتم به فأعيد ذكر اليوم بصفة أخرى زيادة في التهويل، والوجه الأول أولى قاله في «الكشف». وقال العلامة الطيبـي في الوجه الأخير أعني انتصاب { يَوْماً } بكفرتم إنه أوفق للتأليف يعني خوفناكم بالأنكال والجحيم وأرسلنا إليكم رسولاً شاهداً يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم وأنذرناكم بما فعلنا بفرعون من العذاب الوبيل والأخذ الثقيل فما نجع فيكم ذلك كله ولا اتقيتم الله تعالى فكيف تتقونه وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء، وفيه أن ملاك التقوى والخشية الإيمان بيوم القيامة انتهى. ولا يخفى أن جزالة المعنى ترجح الأول.
وذهب جمع إلى أن الخطاب في
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُم } [المزمل: 15] عام للأسود والأحمر فالظاهر أنه ليس من الالتفات في شيء. وأياً ما كان فجعل الولدان شيباً أي شيوخاً جمع أشيب قيل حقيقة فتشيب الصبيان وتبيض شعورهم من شدة يوم القيامة وذلك على ما أخرج ابن المنذر عن ابن مسعود حين يقول الله تعالى لآدم عليه السلام «قم فأخرج من ذريتك بعث النار فيقول يا رب لا علم لي إلا ما علمتني فيقول الله عز وجل أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيخرجون ويساقون إلى النار سوقاً مقرنين زرقاً كالحين قال ابن مسعود فإذا خرج بعث النار شاب كل وليد» وفي حديث الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحو ذلك. وقيل مثل في شدة الهول من غير أن يكون هناك شيب بالفعل فإنهم يقولون في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل في ذلك أن الهموم إذا تفاقمت على المرء أضعفت قواه وأسرعت فيه الشيب ومن هنا قيل الشيب نوار الهموم وحديث البعث لا يأبى. هذا وجوز الزمخشري أن يكون ذلك وصفاً لليوم بالطول وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب وليس المراد به التقدير الحقيقي بل وصف بالطول فقط على ما تعارفوه وإلا فهو أطول من ذاك وأطول فلا اعتراض لكنه مع هذا ليس بذاك. والظاهر عموم الولدان وقال السدي هم هنا أولاد الزنا وقيل هم أولاد المشركين.
وقرأ زيد بن علي { يَوْماً } بغير تنوين { نجعل } بالنون فالظرف مضاف إلى جملة { نجعل } الخ.