التفاسير

< >
عرض

وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ
٥
-المدثر

روح المعاني

قال القتبـي الرجز / العذاب وأصله الاضطراب وقد أقيم مقام سببه المؤدي إليه من المآثم فكأنه قيل اهجر المآثم والمعاصي المؤدية إلى العذاب، أو الكلام بتقدير مضاف أي أسباب الرجز أو التجوز في النسبة على ما قيل ونحو هذا قول ابن عباس الرجز السخط وفسر الحسن الرجز بالمعصية والنخعي بالإثم وهو بيان للمراد ولما كان المخاطب بهذا الأمر هو النبـي صلى الله عليه وسلم وهو البرىء عن ذلك كان من باب إياك أعني واسمعي أو المراد الدوام والثبات على هجر ذلك. وقيل الرجز اسم لصنمين إساف ونائلة وقيل للأصنام عموماً وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة والزهري والكلام على ما سمعت آنفاً. وقيل الرجز اسم للقبيح المستقذر { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } كلام جامع في مكارم الأخلاق كأنه قيل اهجر الجفاء والسفه وكل شيء يقبح ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين وعليه يحتمل أن يكون هذا أمراً بالثبات على تطهير الباطن بعد الأمر بالثبات على تطهير الظاهر بقوله سبحانه { وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } [المدثر: 4].

وقرأ الأكثرون (الرجز) بكسر الراء وهي لغة قريش ومعنى المكسور والمضموم واحد عند جمع، وعن مجاهد أن المضموم بمعنى الصنم والمكسور بمعنى العذاب وقيل المكسور النقائص والفجور والمضموم إساف ونائلة وفي «كتاب الخليل» الرجز بضم الراء عبادة الأوثان وبكسرها العذاب.

ومن كلام السادة أي الدنيا فاترك وهو مبني على أنه أريد بالرجز الصنم والدنيا من أعظم الأصنام التي حبها بين العبد وبين مولاه وعبدتها أكثر من عبدتها فإنها تعبد في البيع والكنائس والصوامع والمساجد وغير ذلك، أو أريد بالرجز القبيح المستقذر والدنيا عند العارف في غاية القبح والقذارة فعن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليها كلب في يد مجذوم وقال الشافعي:

وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها

ويقال كل ما ألهى عن الله عز وجل فهو رجز يجب على طالب الله تعالى هجره إذ بهذا الهجر ينال الوصال وبذلك القطع يحصل الاتصال ومن أعظم لاه عن الله تعالى النفس ومن هنا قيل أي نفسك فخالفها والكلام في كل ذلك من باب إياك أعني أو القصد فيه إلى الدوام والثبات كما تقدم.