التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ
٥٦
-المدثر

روح المعاني

{ وَمَا يَذْكُرُونَ } أي بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى: { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } [المدثر: 55] إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته في أفعاله وهو قوله سبحانه: { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } استثناء مفرغ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أي وما يذكرون بعلة من العلل أو في حال من الأحوال إلا بأن يشاء الله تعالى أو حال أن يشاء الله ذلك، وهذا تصريح بأن أفعال العباد بمشيئة الله عز وجل بالذات أو بالواسطة ففيه رد على المعتزلة، وحملهم المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر من غير قسر وإلجاء.

وقرأ نافع وسلام ويعقوب (تذكرون) بتاء الخطاب التفاتاً مع إسكان الذال وروي عن أبـي حيوة (يذكرون) بياء الغيبة وشد الذال وعن أبـي جعفر (تذكرون) بالتاء الفوقية وإدغامها في الذال.

{ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ } حقيق بأن يتقى عذابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر المبني للمفعول { وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } حقيق بأن يغفر جل وعلا لمن آمن به وأطاعه فالمغفرة مصدر المبني للفاعل.

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والنسائي وابن ماجه وخلق آخرون "عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فقال قد قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهاً آخر فأنا أهل أن أغفر له" . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن دينار عن أبـي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعاً ما يقرب من ذلك. وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن الحسن قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى إني لأجدني أستحي من عبدي يرفع يديه إلي ثم يردهما من غير مغفرة قالت الملائكة إلهنا ليس لذلك بأهل قال الله تعالى: لكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أني قد غفرت له" . وكأن الجملة لتحقيق الترهيب والترغيب اللذين أشعر بهما الكلام السابق كما لا يخفى على المتذكر. وعن بعضهم أنه لما سمع قوله تعالى: { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } قال: اللهم اجعلني من أهل التقوى وأهل المغفرة على أن أول الثاني كثاني الأول مبنياً للفاعل وثاني الثاني كأول الأول مبنياً للمفعول وإلا فلا يحسن الدعاء وأن تكلف لتصحيحه فافهم والله تعالى أعلم.