التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
٢٧
-القيامة

روح المعاني

أي قال من حضر صاحبها: من يرقيه وينجيه مما هو فيه من الرقية وهي ما يستشفي به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك ومنه آيات الشفاء ولعله أريد به مطلق الطبيب أعم من أن يطب بالقول أو بالفعل وروي عن ابن عباس والضحاك وأبو قلابة وقتادة ما هو ظاهر فيه والاستفهام عند بعض حقيقي وقيل هو استفهام استبعاد وإنكار أي قد بلغ مبلغاً لا أحد يرقيه كما يقال عند اليأس من ذا الذي يقدر أن يرقي هذا المشرف على الموت وروي / ذلك عن عكرمة وابن زيد. وقيل هو من كلام ملائكة الموت أي أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ من الرقي وهو العروج وروي هذا عن ابن عباس أيضاً وسليمان التيمي والاستفهام عليه حقيقي وتعقب بأن اعتبار ملائكة الرحمة يناسب قوله تعالى بعد { فَلاَ صَدَّقَ } [القيامة: 31] الخ ودفع بأن الضمير للإنسان والمراد به الجنس والاقتصار بعد ذلك على أحوال بعض الفريقين لا ينافي العموم فيما قيل.

ووقف حفص رواية عن عاصم على (من) وابتدأ (راق) وأدغم الجمهور قال أبو علي لا أدري ما وجه قراءته وكذلك قرأ { بَلْ رَانَ } [المطففين: 14] وقال بعضهم كأنه قصد أن لا يتوهم أنها كلمة واحدة فسكت سكتة لطيفة ليشعر أنهما كلمتان وإلا فكان ينبغي أن يدغم في { مَنْ رَاقٍ } فقد قال سيبويه إن النون تدغم في الراء وذلك نحو من راشد والإدغام بغنة وبغير غنة ولم يذكر الإظهار ويمكن أن يقال لعل الإظهار رأي كوفي فعاصم شيخ حفص يذكر أنه كان عالماً بالنحو وأما { بَلْ رَانَ } [المطففين: 14] فقد ذكر سيبويه في ذلك أيضاً أن إظهار اللام وإدغامها مع الراء حسنان فلعل حفصاً لما أفرط في إظهار الإظهار فيه صار كالوقف القليل.

واستدل بقوله تعالى { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } [القيامة: 26] على أن النفس جسم لا جوهر مجرد إذ لا يتصف بالحركة والتحيز وأجاب بعض بأن هذه النفس المسند إليها بلوغ التراقي هي النفس الحيوانية لا الروح الأمرية وهي الجوهر المجرد دون الحيوانية وآخر بأن المراد ببلوغها التراقي قرب انقطاع التعلق وهو مما يتصف به المجرد إذ لا يستدعي حركة ولا تحيزاً ولا نحوهما مما يستحيل عليه وزعم أنه لا يمكن إرادة الحقيقة ولو كانت النفس جسماً ضرورة أن بلوغها التراقي لا يتحقق إلا بعد مفارقتها القلب وحينئذ يحصل الموت ولا يقال (من راق) كما هو ظاهر على الوجه الأول فيه ولا يتأتى أيضاً ما يذكر بعد على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى فيه. والذي عليه جمهور الأمة سلفاً وخلفاً أن النفس وهي الروح الأمرية جسم لطيف جداً ألطف من الضوء عند القائل بجسميته والنفس الحيوانية مركب لها وهي سارية في البدن نحو سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم وسريان السيال الكهربائي عند القائل به في الأجسام، والأدلة على جسميتها كثيرة وقد استوفاها الشيخ ابن القيم في كتاب «الروح» وأتى فيه بالعجب العجاب.

ثم الظاهر أن المراد ببلوغ التراقي مشارفة الموت وقرب خروج الروح من البدن سلمت الضرورة التي في كلام ذلك الزاعم أم لم تسلم لقوله تعالى { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ }.