التفاسير

< >
عرض

إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
٣
-الإنسان

روح المعاني

{ إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } لأنه جملة مستأنفة تعليلية في معنى لأنا هديناه أي دللناه على ما يوصله من الدلائل السمعية كالآيات التنزيلية والعقلية كالآيات الأفاقية والأنفسية وهو إنما يكون بعد التكليف والابتلاء.

{ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } حالان من مفعول (هدينا) و{ إما } للتفصيل باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات أي هديناه ودللناه على ما يوصل إلى البغية في حالتيه جميعاً من الشكر والكفر أو للتقسيم للمهدي باختلاف الذوات والصفات أي هديناه السبيل مقسوماً إليها بعضهم شاكر بالاهتداء للحق وطريقه بالأخذ فيه وبعضهم كفور بالإعراض عنه وحاصله دللناه على الهداية والإسلام فمنهم مهتد مسلم ومنهم ضال كافر. وقيل حالان من (السبيل) أي عرفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وإما سبيلاً كفوراً على وصف السبيل بوصف سالكه مجازاً والمراد به لا يخفى. وعن السدي أن السبيل هنا سبيل الخروج من الرحم وليس بشيء أصلاً.

وقرأ أبو السمال وأبو العاج (أما) بفتح الهمزة في الموضعين وهي لغة حكاها أبو زيد عن العرب وهي التي عدها بعض الناس على ما قال أبو حيان في حروف العطف وأنشدوا:

تلقحها أما شمال عرية وأما صبا جنح العشي هبوب

وجعلها الزمخشري (إما) التفصيلية المتضمنة معنى الشرط على معنى إما شاكراً فبتوفيقنا وإما كفوراً فبسوء اختياره وهذا التقدير إبراز منه للمذهب قيل ولا عليه أن يجعله من باب { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [البقرة: 26] كأنه قيل إما شاكراً فبهدايتنا أي دعائنا أو إقدارنا على ما فسر به الهداية وإما كفوراً فبها أيضاً لاختلاف وجه الدعاء لأن الهداية هٰهنا ليست في مقابلة الضلال وهذا جار على المذهبين وسالم عن حذف ما لا دليل عليه. وجوز في «الانتصاف» أن يكون التقدير إما شاكراً فمثاب وإما كفوراً فمعاقب. وإيراد الكفور بصيغة المبالغة لمراعاة الفواصل والإشعار بأن الإنسان قلما يخلو من كفران ما وإنما المؤاخذ عليه الكفر المفرط.