التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ
٥٩
-الأنفال

روح المعاني

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ } بياء الغيبة وهي قراءة حفص وابن عامر وأبـي جعفر وحمزة، وزَعْمُ تفرد الأخير بها وهم كزعم أنها غير نيرة، فقد نص في «التيسير» على أنه قرأ بها الأولان أيضاً، وفي "المجمع" على أنه قرأ بها الأربعة، وقال المحققون: إنها أنور من الشمس في رابعة النهار لأن فاعل { يَحْسَبَنَّ } الموصول بعده ومفعوله الأول محذوف أي أنفسهم وحذف للتكرار والثاني جملة { سَبَقُواْ }، أي لا يحسبن أولئك الكافرون أنفسهم سابقين أي مفلتين من أن يظفر بهم.

والمراد من هذا إقناطهم من الخلاص وقطع أطماعهم الفارغة من الانتفاع بالنبذ، والاقتصار على دفع هذا التوهم وعدم دفع توهم سائر ما تتعلق به أمانيهم الباطلة من مقاومة المؤمنين أو الغلبة عليهم للتنبيه على أن ذلك مما لا يحوم عليه عقاب وهمهم وحسبانهم وإنما الذي يمكن أن يدور في خلدهم حسبان المناص فقط، ويحتمل أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً، والحذف لا يخطر بالبال كما توهم، أي لا يحسبن هو أي / أي قبيل المؤمنين أو الرسول أو الحاسب أو من خلفهم أو أحد، وهو معلوم من الكلام فلا يرد عليه أنه لم يسبق له ذكر، ومفعولا الفعل { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } و { سَبَقُوۤاْ }، وحكي عن الفراء أن الفاعل الذين كفروا وان سبقوا بتقدير أن سبقوا فتكون أن وما بعدها سادة مسد المفعولين، وأيد بقراءة ابن مسعود { أَنَّهُمْ سَبَقُواْ }.

واعترضه أبو البقاء وغيره بأن أن المصدرية موصول وحذف الموصول ضعيف في القياس شاذ في الاستعمال لم يرد منه إلا شيء يسير ـ كتسمع بالمعيدي خير من أن تراه ـ ونحوه فلا ينبغي أن يخرج كلام الله تعالى عليه. وقرأ من عدا من ذكر { تحسبن } بالتاء الفوقية على أن الخطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم أو لكل من له حظ في الخطاب و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ } مفعولاه ولا كلام في ذلك. وقرأ الأعمش { ولا تحسب الذين } بكسر الباء وفتحها على حذف النون الخفيفة.

وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } أي لا يفوتون الله تعالى أو لا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم تعليل للنهي على طريق الاستئناف. وقرأ ابن عامر { أنهم } بفتح الهمزة وهو تعليل أيضاً بتقدير اللام المطرد حذفها في مثله.

وقيل: الفعل واقع عليه، و { لا } صلة ويؤيده أنه قرىء بحذفها و { سَبَقُواْ } حال بمعنى سابقين أي مفلتين هاربين. وضعف بأن { لا } لا تكون صلة في موضع يجوز أن لا تكون كذلك وبأن المعهود كما قال أبو البقاء في المفعول الثاني لحسب في مثل ذلك أن تكون أن فيه مكسورة، وهذا على قراءة الخطاب لإزاحة ما عسى أن يحذر من عاقبة النبذ لما أنه ايقاظ للعدو وتمكين لهم من الهرب والخلاص من أيدي المؤمنين، وفيه نفي لقدرتهم على المقاومة والمقابلة على أبلغ وجه وآكده كما يشير إليه. وذكر الجبائي أن { لاَ يُعْجِزُونَ } على معنى لا يعجزونك على أنه خطاب أيضاً للنبـي عليه الصلاة والسلام ولا يخلو عن حسن، والظاهر أن عدم الاعجاز كيفما قدر المفعول اشارة إلى أنه سبحانه سيمكن منهم في الدنيا، فما روي عن الحسن أن المعنى لا يفوتون الله تعالى حتى لا يبعثهم في الآخرة غريب منه إن صح. وادعى الخازن أن المعنى على العموم على معنى لا يعجزون الله تعالى مطلقاً اما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة بعذاب النار، وذكر أن فيه تسلية للنبـي صلى الله عليه وسلم فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منه. وهو ظاهر على القول بأن الآية نزلت فيمن أفلت من فل المشركين، وروي ذلك عن الزهري. وقرىء { يعجزون } بالتشديد. وقرأ ابن محيصن { يعجزون } بكسر النون بتقدير يعجزونني فحذفت إحدى النونين للتخفيف والياء اكتفاء بالكسرة، ومثله كثير في الكتاب.